صحيفة البعثمحليات

فرص في سوق “القمامة”!

علي بلال قاسم    

تنمو وتتكاثر ظاهرة البحث في القمامة والفضلات لتشكل سوقاً مهمّاً بمردود وريعية وفائدة مركبة، تبدأ من عند النباش ولا تنتهي عند التجار الكبار وأصحاب المستودعات وأماكن التجميع والفرز، وهنا نناشد المحافظات والبلديات التي تنهض على أكمل وجه بترحيل القمامة أن تتدخل لمعالجة هذه الظاهرة بما ينعكس إيجابياً على الموارد الذاتية للبلديات، فالمشاهد التي تشهدها أماكن تموضع حاويات القمامة وزوايا تجميع براميل الزبالة في الأحياء والشوارع والجادات ليست جديدة على أحد، فالتنافس والعراك بين الباحثين عن البقايا والمتاجرين والمسترزقين بنفايات ومتروكات الناس والقاطنين، في هذه المنطقة أو تلك، يصل أشدّه عند من يعتبر أن لديه مكتسباً سجلته السنوات يقضي بالاستحواذ على قطاع ما يضمّ عدداً من الحاويات، وبالتالي ثمّة صراع سيحدث ما إن اقتحم دخيل أو طمع أحد النباشين تحت مسمّى الحصة واستملاك الجغرافيا والحيّز المكاني لصالح الزعيم وصبيانه الذين ينتشرون في كل الأوقات بحثاً في كل كيس وحاوية، لترى أرجلاً معلقة في الهواء تحملها رؤوس مدفونة في زحمة الفضلات لالتقاط بقايا تصلح للبيع أو التدوير أو المتاجرة.
قد يظنّ البعض أن ما يقوم به بعض الفتية والبالغين شيء ما يشبه التسول، ولكن في بيئة قذرة وبؤرة للأمراض والأوبئة، إلا أن التوصيف الأقرب هو الاستثمار لمن يدير ويتحكّم ويهيمن على هذا المحور أو ذاك، ويدفع بالصبية والرجال والنساء صبحاً ومساءً للتجميع وجلب ما يتيسر من بلاستيك وخبز يابس وألمنيوم وعبوات تنك، والكثير الكثير مما يرميه الناس ويشكل منتجاً عند معشر اللمّامين.
هو مسلسل يومي لا بل أصبح روتينياً عند المواطن الذي اعتاد رؤية من يبعثر الأكياس والقمامة على الطرقات ولا يستطيع الاعتراض أو اتخاذ موقف، لأن الواقعة هنا لن تكون في صالحة أمام من امتهن هذا العمل الذي لا يعلم إلا العنف والإساءة لكلّ من يتعامل معه سلباً أم إيجاباً، فالفوز بكل ما يباع يعدّ فرصة يجب اقتناصها، وهذا ما يشكل مورداً كبيراً يدفع بالكثيرين لدخول هذا المجال الذي لا يتطلّب سوى توفر “جلد” التجميع.
لا ننكر أن ما تجمعه هذه الشريحة يعدّ صنيعة عند المعامل والشركات والورشات، من حيث تأمين المادة الأولية القابلة للتدوير وإعادة التصنيع من جديد، ولاسيما في هذه الظروف، وأن هذه العملية توفر حاجة التصنيع من جديد قد لايؤمّنها الغير، في وقت تحتضن هذه الحاويات ومعها مراكز التجميع والمكبات فرص عمل لآلاف من العاطلين والمشردين والمتسكعين والضائعين في زحام بقايا المجتمع.. ومع ذلك ثمة خطورة إن بدأت بالجانب الصحي، فلن تنتهي عند البيئة الكارثية لهذا النشاط الهامشي وغير المنضبط واللا نظيف، عدا الأذى والتناحر والتعارك وتنامي الخلافات ونشر الصور غير اللائقة في الأحياء، وممنوع على أحد الاقتراب والتصوير تحت طائلة الشتيمة والسباب ولا مانع من استخدام ما باليد من سلاح أبيض يُقذف به من يحاول فض النزاعات.
الفصل الآخر من المشاهد يتمثّل بعمال النظافة ومرافقي سيارات تحميل وتفريغ الحاويات وتعبئتها في سيارات المحافظة، حيث يخالف هؤلاء تعليمات مديريات النظافة بتركيزهم على نشاط استثمار البقايا المتاحة والقابلة للبيع، ليكونوا منافسين آخرين، ولكن بميزة موظف يقبض راتباً ويعتبر أن هناك فرصة ذهبية لعمل رديف بين يديه، لذا ترى سيارات النظافة تميل يمنة ويسرة على ثقل الأكياس المعلقة من خبز وبلاستيك… وغيرها!
نعم.. نحن أمام ظاهرة الأمر الواقع التي لا يمكن معالجتها بالبساطة التي يعتقدها البعض في مجتمع تتداخل فيه القضايا والمنافع الصغيرة مع الكبيرة، مضاف إليها معيار الاسترزاق الذي لا يُحسد عليه حتى ولو سمّيناه الاستثمار في الزبالة، وهي التسمية الحقيقية لأنها تعود بالملايين لكلّ من يعمل بها ويدور في فلكها.