الناتو ذراعٌ أمريكية لتوسيع ساحة المواجهة
ريا خوري
شكّل حلف شمال الأطلسي (ناتو) إحدى الأذرع العسكرية الأمريكية في إطار الاستراتيجية العالمية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية، بعد بضع سنوات على انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 وانهيار حلف وارسو، وسّع حلف شمال الأطلسي دوره بشكلٍ متسارع بعد أن ضمّ الدول الأوروبية، وصولاً إلى حدود روسيا الاتحادية. وفي قمّة مدريد التي عُقِدَت عام 2022، قرَّرت دول الحلف في إطار المفهوم الاستراتيجي الجديد اعتبار جمهورية روسيا الاتحادية (التهديد الأكثر أهمية والمباشر لأمن الحلفاء القومي جميعاً)، واعتبار الصين (تهديداً منهجياً مباشراً وغير مباشر للأمن القومي الأوروبي الأطلسي).
تم العمل على استخدام الحلف في الحروب الدامية التي خاضتها أمريكا في أفغانستان والعراق وليبيا والبلقان، وهو الآن يخوض حرباً ساخنة بقيادة الولايات المتحدة ضد روسيا في أوكرانيا تحقيقاً لأهداف استراتيجية، منها تركيع وإخضاع روسيا حليفة الصين، فقد أكّد ينس ستولتنبرغ أمين عام الحلف أنَّ (الصين لا تشارك مبادئ الدول الغربية وتحديداً مبادئ حلف الناتو)، على الرغم من أنّ القيادة السياسية والعسكرية الصينية أكَّدت مراراً أنَّها لا تشكِّلُ تهديداً لأحد، وكانت قيادة حلف الناتو قد أعلنت أنه لم تكن الصين حتى عام 2010 تشكِّل مصدراً لقلق الحلف، لكن بعد أن أصبحت الصين إحدى القوى العظمى المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية باتت تشكّل تهديداً بأي شكلٍ من الأشكال للحلف، وخاصة بعد توسيع التعاون الاستراتيجي بين الصين وروسيا الاتحادية وسعيهما (لتقويض النظام الدولي القائم على القواعد الدولية المرسومة)، أي النظام العالمي الحالي الذي تتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادته.
فقد سعى ستولتنبرغ إلى اللقاء بمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان خلال زيارته الحالية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف حثها على تقديم المزيد من الدعم العسكري والمالي واللوجيستي لأوكرانيا، والسعي الحثيث لدى الكونغرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ إلى تمرير حُزم المساعدات البالغة 60.06 مليار دولار التي يعرقلها الجمهوريون في الكونغرس، حيث أكَّد ستولتنبرغ في مؤتمرٍ صحفي بعد الاجتماع أنَّ (دعم أوكرانيا ليس صدقةً يتم دفعها لأوكرانيا، وإنما من أجل أمننا القومي لأنَّ انتصار روسيا الاتحادية سوف يضعفنا)، مضيفاً: إنَّ مساعدتنا لأوكرانيا تهدف إلى تمكينها من تدمير القدرات العسكرية الروسية، وعبّر في الوقت نفسه عن الأمل في أن يوافق الكونغرس الأمريكي على توفير الدعم المناسب في أقرب وقت ممكن.
لكن ستولتنبرغ ذهب إلى أبعد من مسألة دعم أوكرانيا التي تواجه نضوباً في المساعدات الغربية الأمريكية ـ الأوروبية، وتناول تنامي وتصاعد الصين وما تمثله من تحدّيات استراتيجية، وتوسيع التعاون الاستراتيجي بين روسيا الاتحادية والصين، معتبراً ذلك تهديداً لأمن أوروبا بأكملها ومعها أمريكا الشمالية، كما أشار بوضوح إلى ما تمثله إيران من تحدّيات جديدة في الشرق الأوسط، وهو بذلك يفتح مروحة واسعة من التحديات والمواجهات بعدّة أشكال، بينما هناك حالة متفشية من الانقسام والنزاع داخل الحلف حول الرؤية السياسية الاستراتيجية تجاه الحرب الأوكرانية، والشراكة وتقاسم الأعباء العسكرية المادية والسياسية، إضافة إلى الاختلاف حول مفهوم الأمن القومي الأوروبي، وسط العديد من الدعوات الصريحة والمباشرة من جانب فرنسا ودول غربية أخرى لما أطلق عليه (الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي) بعيداً عن الهيمنة الأمريكية، بمعنى وجود رؤية أوروبية خاصة ومستقلة عن تحالف دول الناتو عبر المحيط الأطلسي، وخاصة أنَّ المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف (الناتو) ما زال له تأثير كبير في الأمن الدولي من حيث الأهداف، والقدرات، والمهام، والشراكات التكتيكية والاستراتيجية، والتحركات المستمرة نحو توسيع حلف الناتو تجاه غرب البلقان في الدول الاشتراكية التي كانت ضمن محور الاتحاد السوفييتي السابق.
إنَّ صناعة الأعداء والبحث عن أعداء جدد ينطلقان من المفاهيم الأمريكية القديمة، وهو ما يصبُّ في صلب الاستراتيجية الأمريكية، إذ إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع العيش والبقاء من دون أعداء، لتمكين مجمعات الصناعات الحربية من العمل من جهة، وخلق مناطق بؤر خطرة جديدة لتبرير تدخلها العسكري السافر من جهة أخرى، مستخدمةً حلف شمال الأطلسي (ناتو) كإحدى أدوات استراتيجية الهيمنة والسيطرة على العالم.