رفح.. والبحث عن صك براءة للاحتلال!!
طلال ياسر الزعبي
تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الإيحاء بأن هناك جهوداً حثيثة يبذلونها من أجل منع وقوع المحذور، وفي الوقت نفسه، وبالتنسيق مع كيان الاحتلال، يعملون على إظهار هذه الجهود بمنزلة التنفيذ لقرار محكمة العدل الدولية الأخير، من خلال الوصول إلى “اتفاق” مع المقاومة الفلسطينية عند رفح، بمعنى أن يكون قبول الاحتلال لوقف إطلاق النار في هذه المرحلة بالذات صكّ براءة له من جميع الجرائم التي ارتكبها في غزة منذ أكثر من مئة وثلاثين يوماً.
المراقب لما يجري يستطيع أن يؤكّد أن جيش الاحتلال، ومن يقف خلفه، وصلوا إلى طريق مسدود في سعيهم إلى إخضاع المقاومة، فبعد كل الوقت الممنوح له لتحقيق أيّ هدف من الأهداف التي أعلنها، عند بدء عدوانه على غزة، لم يصل إلى نتيجة، بينما يمضي الوقت بما لا يتناسب مع طموح جميع اللاعبين، فلا الرئيس الأمريكي جو بايدن تمكّن من الاستفادة من “النصر” المفترض في معركته الانتخابية، ولا هو قادر على الاستمرار في دعمه إلى ما لا نهاية مع وجود معارضة متزايدة من خصومه الجمهوريين، وفي الشارع الأمريكي، لمشاريع الدعم الخاصة بـ “إسرائيل” التي يطلقها، فضلاً عن أن الأمر بات يرفع منسوب القلق الوجودي في الكيان الصهيوني إلى مراحل متطوّرة مع استنكاف أعداد كبيرة من المستوطنين عن العودة إلى المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة وجنوبها، وتزايد أعداد الهجرة العكسية، والعجز الواضح عن تدارك الخسائر الاقتصادية للكيان الصهيوني في جميع المجالات بما ينبئ بمزيد من الانهيارات.
كل ذلك، بالإضافة إلى أن جميع العواصم الغربية، ابتداء من واشنطن وليس انتهاء بباريس، باتت تدرك المأزق الكبير الذي بدأ يظهر للعيان فيما يخص العجز عن تحقيق أيّ ثغرة في جدار المقاومة في المنطقة، حيث تهدّد المقاومة اليمنية بقطع شرايين الغرب الاقتصادية مع تزايد عدد اللاعبين في البحر الأحمر، وتزيد المقاومة العراقية من الضغط على الوجود الاحتلالي الأمريكي في المنطقة رغم التعتيم على الخسائر الأمريكية في سورية والعراق، في وقت يراقب اللاعبون الدوليون الكبار الغرق الغربي في مستنقع المنطقة بهدوء وحذر شديدين.
فلماذا هذا الإصرار الأمريكي الآن على إنجاز وقف لإطلاق النار في غزة، رغم أن واشنطن هي التي رفضت مراراً جميع المبادرات المؤدّية إلى ذلك في مجلس الأمن، وكانت تحاول منح “إسرائيل” كل الوقت اللازم لإنجاز المهمة؟
الوقت يمضي بعكس كل التوقّعات الغربية في المنطقة، ولا يبدو أن هناك ما يمكن أن يُعوّل عليه من خلال الاستمرار في العدوان، وبالتالي، وأمام عجز صهيوني واضح عن تحقيق أيّ نصر في الميدان، رغم “الانتصارات” الكبيرة التي حقّقها جيش الاحتلال الصهيوني على الأطفال والنساء والمنازل والمستشفيات والمدارس والمنظمات الدولية والمساجد والكنائس، يأتي اللاعب الأمريكي ليُنزل الحكومة الصهيونية من الشجرة التي تسلّقتها كالعادة، ولكن لا بدّ من وقف إطلاق للنار يضمن عدم ملاحقة حكومة الاحتلال على جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في غزة، ومن هنا فإن السعي الآن هو فقط لتبرئة الكيان من هذه الجرائم، بالقول إن المعركة التي كانت دائرة هي بين جيشين متكافئين، وليست عدواناً من كيان محتل على منطقة واقعة فعلياً تحت سيطرته بحكم تحكمها الكامل بها، والاتفاق يجب أن يتحوّل إلى صكّ براءة، بمعنى أن يشمل نسيان كل ما سبقه من جرائم ارتكبها الصهاينة في العدوان!