“فوسه”: الفنّ الجليل يتيح فهم المختلف والدّخيل
نجوى صليبه
اختارت الهيئة الدّولية للمسرح، الكاتب المسرحي النّرويجي “يون فوسه” لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح الـ63، الموافق 27 آذار من كلّ عام، وجاءت الرّسالة بعنوان “الفنّ هو السلام” ترجمة “داميون سيرلز”.
ويبدأ “فوسه” رسالته بالقول: “كلّ واحد منا فريد من نوعه، لكن في الوقت ذاته نحن نتشابه، نختلف عن بعضنا البعض في مظهرنا الخارجي المرئي. بالطّبع، كلّ هذا حسن جدّاً، لكن هناك أيضاً شيء داخل كلّ واحد منّا ما يمتلكه وحده، قد نسميه أرواحنا أو نفوسنا، وإلّا فيمكننا أن نقرّر عدم تسميتها على الإطلاق والتّعبير عنها في كلمات، فقط نتركها وشأنها.. لكن بينما نحن جميعاً مختلفون عن بعضنا البعض، فنحن متشابهون أيضاً، البشر من كلّ جزء من هذا العالم متشابهون بشكلٍ أساسٍ، بغضّ النّظر عن اللغة التي يتحدثون بها، وألوان بشراتهم، أو حتّى لون شعر رؤوسهم.. قد يكون هذا شيئاً من المفارقة: أنّنا متشابهون تماماً ومختلفون تماماً في الوقت ذاته، ربّما يكون الشّخص متناقضاً في جوهره، في الجسر بين الجسد والرّوح – نحن كبشر نحتوي الوجود الملموس، الأرضي، ونحتوي ما يتجاوز كلّ هذه الموادّ الملموسة، ويتجاوز الحدود الأرضية”.
ويضيف: “الفنّ، والفنّ الجليل بالتّحديد، يتمكّن بطريقته الرّائعة من الجمع بين الفريد والخاصّ في جانب والعالمي في جانب آخر، ويتيح لنا أن نفهم ما هو مختلف، وما هو دخيل، والذي يقال عنه إنّه عالمي. بالخصوصية والفرادة، يخترق الفنّ الحدود بين اللغات والحدود الجغرافية، إنّه يجمع ليس فقط الصّفات الفردية للجميع، لكن أيضاً، وبمعنى آخر، الخصائص الفردية لكلّ مجموعة من النّاس، مثل الأمم.. الفنّ لا يفعل هذا عن طريق تسوية الاختلافات وجعل كلّ شيء يتشابه، لكن، على العكس من ذلك، بإظهار ما هو مختلف عنا، ما هو دخيل وغريب عنا.. كلّ الفنّ الجليل يحتوي على وجه التّحديد شيئاً غريباً، شيئاً لا يمكننا فهمه تماماً، ومع ذلك وفي الوقت ذاته نفهمه، بطريقة ما.. يحتوي على أحجية، إذا جاز التّعبير.. شيء يسحرنا وتالياً يدفعنا إلى ما هو أبعد من حدودنا، وبذلك يخلق السّمو الذي يجب على كلّ أشكال الفنون أن تمتلكه، وتقودنا إليه”.
ويعترف “فوسه” بأنّه لا يعرف طريقة أفضل لجمع الأضداد معاً، ويضيف: “وهو عكس الصّراع العنيف الذي كثيراً ما نراه يتكشف في الغواية المدمّرة التي تنزع إلى تدمير الغريب، والآخر المختلف، غالباً باستخدام وحشية الابتكارات التّكنولوجية التي وضعت تحت تصرفنا.. في هذا العالم، هناك إرهاب، هناك حروب، فللإنسان جانب حيواني أيضاً، مدفوع بغريزة التّعامل مع الآخر، الغريب، كتهديد لوجوده بدلاً من كونه أحجية ساحرة.. هذه هي الطّريقة التي يختفي فيها التّفرد -الاختلافات التي يمكننا جميعاً رؤيتها- لمصلحة التّشابه، إذ إن أي شيء مختلف هو تهديد لا بدّ من القضاء عليه، وما يمكن رؤيته خارجياً من اختلافات، مثلاً بين الأديان أو الأيديولوجيات السياسية المتباينة، يصبح شيئاً يجب محاربته وهزيمته.. الحرب هي صراع ضدّ ما هو أعمق، ضدّ فرادتنا.. هو معركة ضدّ كلّ فنّ، ضدّ ما هو أعمق في كلّ الفن”.
ويوضّح “فوسه” سبب اختياره الحديث عن الفنّ بشكل عام لا عن فنّ المسرح والكتابة المسرحية بشكلٍ خاصّ بالقول: “كلّ الفن الجليل، في أعماقي، يدور حول الشّيء ذاته: حول الحصول على ما هو فريد تماماً، والمحدّد تماماً، ليصبح عالمياً، فهو يجمع بين الفريد والعالمي في التّعبير عنه فنّياً، وليس القضاء على خصوصيته، بل تأكيد هذه الخصوصية، وترك ما هو غريب وغير مألوف يتألّق بوضوح.. الحرب والفنّ متضادان، تماماً كما أنّ الحرب والسّلام متضادان- الأمر بهذه البساطة.. الفنّ هو السّلام”.
أمّا “يون فوسه” فمؤلّف وكاتب مسرحي نرويجي، من مواليد 29 أيلول 1959، حصل على جائزة نوبل للآداب في عام 2023، وفي سيرته الشّخصية نقرأ أنّه تعرّض لحادث خطر وهو في السّابعة من عمره، ما أثّر بشكل كبير على كتاباته في مرحلة البلوغ، التحق بجامعة بيرغن ودرس الأدب المقارن، ثم كتب مسيرته في مجال الكتابة، ونشرت روايته الأولى “أحمرـ أسود” في عام 1983، أمّا مسرحيته الأولى “ولن نفترق أبداً” فقد عرضت ونشرت في عام 1994.
كتب “فوسه” الرّوايات والقصص القصيرة والشّعر وكتب الأطفال والمقالات والمسرحيات، وترجمت أعماله إلى أكثر من أربعين لغة منها الفارسية حيث عرضت بعض أعماله في المسارح الرّئيسية في العاصمة الإيرانية طهران.
في عام 2003 حصل “فوسه” على وسام الاستحقاق الوطني من فرنسا، كما صنّف بالمرتبة رقم 83 في قائمة أفضل 100 عباقرة على قيد الحياة من قبل صحيفة “الديلي تلغراف”، وفي عام 2015 حصل على جائزة الأدب من مجلس الشمال عن ثلاثية “اليقظة” و”أحلام” و”التعب”.