الزراعة المائية.. بين طموح تكثيف الإنتاج وصعوبات التكاليف والاستدامة
دمشق- زينب محسن سلوم
تتواصل الأبحاث والتجارب على أرض الواقع لتبني زراعات تكثيفية تزيد من الإنتاج الزراعي وتسدّ الاحتياج الغذائي، ومن تلك الطرق تبرز الزراعة المائية، إذ أوضح الباحث الدكتور أيمن حجازي، معاون مدير إدارة بحوث الموارد الطبيعية في الهيئة العامة للبحوث الزراعية، أن الإدارة قامت بإنشاء بيت بلاستيكي مخصّص للزراعات المائية في محطة بحوث الري بالنشابية في العام المنصرم، يعمل على الطاقة الشمسية ليكون نواة انطلاق لمثل هذه المشاريع في كلّ المحافظات بهدف تحقيق الأمن الغذائي الأسري ومجابهة التغيّرات المناخية، مشدّداً على أن الهيئة ستعمل على نشر هذه التقنية، ودعوة الفلاحين في أيام عمل حقلية لمشاهدة نتائج هذه التقنية على أرض الواقع.
ولم يخف حجازي في تصرحه لـ”البعث” أن الزراعة المائية تشكل قلقاً بشأن الاستدامة، حالها حال جميع الزراعات الحديثة، من حيث الاعتماد الكلي على تصنيع الأسمدة الكيميائية لإنتاج الغذاء، ويمكن للعناصر الغذائية للنباتات أن تكون باهظة الثمن، بالإضافة إلى صعوبة تأمينها، ناهيك عن ارتفاع تكلفة إنشاء البنية التحتية، كما أنها تحتاج إلى كوادر بشرية مؤهلة.
من جهةٍ ثانية استعرضت “البعث” بعض التجارب الخاصة لهذا النمط من الزراعات، حيث بيّن خبير الزراعة المائية حسام الكيال أن الزراعة المائية عبارة عن طريقة تمكن من زراعة النباتات من دون تربة من خلال توفير العناصر المغذية والمعدنية والشروط الملائمة لنمو النبات عبر محلول مغذٍّ يتمّ توفيره لجذور النباتات المزروعة، موضحاً أنه يمكن الزراعة ابتداءً من علبة أو مجموعة أحواض في مطبخ منزل أو شرفته أو حتى سطحه أو في أي مساحات صغيرة تتوفر للأسرة وصولاً إلى المشاريع الكبيرة في بيت محمي.
وأشار الكيال إلى أن هذه الزراعة ورغم أهميتها ما تزال تنتشر على نطاق ضيّق من قبل بعض الخبراء والمهندسين وبعض الأسر، إلا أنها لم تلقَ الانتشار الواسع عبر المشاريع نظراً لكونها تحتاج تكاليف كبيرة عند تأسيس مشروع على مستوى بيت أو عدة بيوت محمية وتأمين الأحواض اللازمة لها، ولكن في الوقت نفسه فإنه في حال تخطي كلفة تأسيس المشروع لا يبقى سوى مسألة تأمين البذور والعناصر المغذية وتزول عقبة الكلفة بعد ذلك، مضيفاً أنها تنتشر بشكل واسع في دول الخليج التي تتصف تربتها بالصحراوية ومناخها الجاف الحار، كونها تشكل حلاً لمشكلة نقص التربة اللازمة للزراعة ونقص المياه، حيث توفر بنسبة 75% من المياه اللازمة للري.
وعن مستلزمات هذه الزراعة، بيّن الكيال أنها تقتصر على تأمين أصيص أو علبة مناسبة لحجم جذور النبات المراد زراعته، ووسط زراعي “بديل عن التربة” مثل “البرلايت، الحجر البركاني، بقايا النخيل خفيفة الوزن، الإسفنج” وهي مواد بعضها مكلف وبعضها رخيص وبعضها غالي الثمن، ويمكننا اختيار المادة الأنسب.
وأشار الكيال إلى أن المشروع يساهم في التوفير لأنه يعتمد على إيجاد دارة مغلقة مؤلفة من الأحواض والمياه والأنابيب والمضخة، حيث يستمر تدوير المحلول المائي المتضمن مواد مغذية ومعدنية بين النباتات والحوض لمدة 20-25 يوماً، ومن بعد ذلك يتمّ تغيير المحلول، ما يحقّق نسب توفير عالية بالمقارنة مع الزراعة في التربة، كما أن وضع النبات ضمن المنزل بعيداً عن التربة يعزلها عن الآفات والحشرات والعوامل الملوثة الأخرى، كما يوفر البيت المحمي حماية أكبر للنباتات من الإصابات الحشرية، مشيراً إلى أنه مشروع مستدام ويمكن من خلاله زراعة نوع واحد من النبات على مدار العام شريطة تأمين الشروط اللازمة لنموه، بينما في الزراعة ضمن التربة قد يضطر المزارع لتغيير وتنويع الدورات الزراعية ليتلافى نقص العناصر المغذية في التربة، كما يمكن اعتماد أسمدة عضوية مع هذا النوع من الزراعات.
وبيّن الكيال أنه يمكن لأي أسرة توفير عنصر نباتي أو عدّة أصناف من النباتات كالخضار وفق المساحة المتوفرة في المنزل، ما يوفر من تكلفة شرائها من السوق ويشكل اكتفاءً جزئياً من المادة، مؤكداً أن هناك عدداً من المشاريع في دمشق لهذا النوع من الزراعات، كما أنه يملك مع أحد أصدقائه مشروعاً يمتد على مساحة نحو 70 متراً، حيث نجحا بزراعة 4000 شتلة من الخس، ما شكل إنتاجاً كبيراً ضمن مساحة صغيرة جداً وبأوفر التكاليف.