دراساتصحيفة البعث

طوفان الأقصى وموازين القوى النفسية

د خلف المفتاح

لا تقاس معركة طوفان الأقصى بنتائجها العسكرية وما ألحقته بالعدو الصهيوني من خسائر بشرية ومادية ومعنوية وكسر لصورته في الرأي العام الإسرائيلي والعالمي وعند حلفائه، ومن تغيير للمسار الذي كان يتجه نحو التطبيع والتخالف وتبييض الصورة على أهمية كل ذلك، ولكن التحوّل الأبرز والأهم من وجهة نظرنا هو في موازين القوى النفسية بين أطراف الصراع وما لذلك العنصر من تأثير كبير ومهم واستراتيجي في مسار الصراع وتضاريسه ومنعرجاته، فما تعرّض له العدو الصهيوني من صدمة عسكرية ونفسية بحكم حجم المفاجأة وحجم الخسائر هزّ أركانه وزلزل قواعد ارتكازه من الجذور وخلط لديه ولدى حلفائه ومَن راهن عليه كل الأوراق، ودخلوا في حالة إعادة حسابات على مستوى استراتيجي تفضي بالنتيجة إلى تغيير بالمسار وبشكل أكيد، وتعيد سكة القضية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح مسار إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

إن ما جرى في السابع من تشرين الأول لم ولن يكون حدثاً عابراً وفعلاً ماضياً في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، ولكنه سيشكّل انعطافاً وتحوّلاً فيه، ولعله يذكّر بما حدث في نهاية شهر كانون الثاني من عام 1968 إبان الحرب الفيتنامية والمواجهة بين القوات الأمريكية والفيتنامية الجنوبية من جهة، وقوات فيتنام الشمالية والفيتكونغ من جهة أخرى، ففي ذلك التاريخ كان الفيتناميون يحتفلون بعيد قمري ويوم عطلة كما هو حال الإسرائيليين في يوم السبت السابع من تشرين الأول، وحينها شنّت القوات الفيتنامية وقوات الفيتكونغ هجوماً مباغتاً على القوات الأمريكية والفيتنامية الجنوبية في منطقة تيت التي سُمّيت المعركة باسمها، وألحقت بها خسائر فادحة بحكم المفاجأة وقوة الهجوم، واستمرت المعركة حتى شهر أيار من ذلك العام، وعلى الرغم من أن القوات المعادية الأمريكية والفيتنامية الجنوبية ألحقت خسائر بشرية هائلة بالقوات المهاجمة ودمّرت مدناً وقرى بأكملها كما فعل الصهاينة وبدعم أمريكي حالياً في غزة، إلا أن معركة تيت شكّلت تحوّلاً في مسار الحرب الفيتنامية بحكم ما شكّلته من هزيمة نفسية ومعنوية بقوات العدو، حيث إنها خلقت حالة من حالات عدم التوازن في القوى النفسية بين الطرفين لمصلحة قوات الفيتكونغ وقوات فيتنام الشمالية، ما جعل القيادة الأمريكية العسكرية والسياسية تعيد حساباتها بخصوص الصراع في فيتنام والبحث عن مخارج للتخلّص من التورّط في تلك الحرب المكلفة بشرياً وسياسياً، وفي ظل رأي عام عالمي وأمريكي رافض للحرب رافقه تحوّل في الصورة في الوعي العام الفيتنامي والأمريكي والدولي حول معطيات القوة بين أطراف الصراع، ما جعل الأمريكي وحليفه الفيتنامي الجنوبي يتوسّل الحلول السياسية ليغطي بها هزيمته، وهو ما حصل في عهد وزير الخارجية  الأمريكية آنذاك وليم روجرز ومستشار الأمن القومي هنري كيسنجر الذي أصبح لاحقاً وزيراً للخارجية، حيث دخلت أمريكا في مفاوضات مع الجانب الفيتنامي الشمالي استمرّت فترة طويلة في باريس العاصمة الفرنسية، ولم تتوقف خلالها المعارك بين الطرفين، انتهت بتوقيع اتفاقية باريس عام 1975 التي أنهت الحرب الفيتنامية بهزيمة أمريكية مذلّة وانسحاب من فيتنام رافقه دخول قوات فيتنام الشمالية والفيتكونغ العاصمة الجنوبية سايغون وهروب الرئيس الفيتنامي الجنوبي العميل نغوين فانثيو على متن طوافة أمريكية من على سطح السفارة الأمريكية تاركاً العملاء يواجهون مصيرهم على أيدي الثوار وأبناء الشعب الفيتنامي.

إن ما جرى في معركة طوفان الأقصى بكل حيثياته وإسقاطاته ونتائجه، وكذلك مسار الصراع مع العدو الصهيوني هو كثير الشبه أو لنقل التماثل مع معركة تيت في فيتنام، ما يجعلنا ويجعل كل قارئ استراتيجي لما يجري راهناً في غزة وجغرافية الصراع الممتد سواء في جنوب لبنان أم العراق وسورية واليمن على قناعة راسخة بأن نهايات سعيدة ستحصل في خاتمة ما يجري، وأن الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة وأحرار العالم سيحتفلون بانتصار تاريخي على العدو الصهيوني والأمريكي شريكه في العدوان، كما احتفل الشعب الفيتنامي وأحرار العالم بانتصار الشعب الفيتنامي على أعدائه سنة 1975.