أرقام فلكية لصيانة الأدوات الكهربائية.. و”الصناعة” لا ترد على جمعية حماية المستهلك!
لم يعد خافياً على أحد توجّه الشباب اليوم إلى سوق المهن الحرة البعيدة كلّ البعد عن التعليم النظري في المدارس والجامعات، إذ أثبتت السنوات الأخيرة أن الشهادات الجامعية “لا تطعم الخبز”، وخاصّة مع احتكاكنا اليومي مع “معلمي الصيانة” بدءاً من ورشات الكهرباء وانتهاءً بالصحيّة، إذ لا يقبل أحدهم بأقل من مليون ليرة يومية له في أدنى الحالات، تحت مبررات حفظناها غيباً وبتنا نردّدها عنهم عند سماعنا لأجرة يدهم بعد الانتهاء من صيانة أحد الأجهزة الكهربائية التي كان لنظام التقنين الدور الأكبر في جرائم الأعطال الكبيرة والمودية بها إلى التنسيق في حاويات القمامة كثيراً، ولاسيّما أن جودة الأجهزة الكهربائية المُصنّعة محلياً والداخلة إلى البلد “تهريباً” تُصنّف بقائمة “الستوك”.
أشكال ألوان!
من يتجوّل اليوم في سوق الكهرباء يجد أنواعاً لا تُعدّ ولا تُحصى من الأجهزة القديمة منها والحديثة، فشحّ الكهرباء التي يحظى بها المواطن اليوم لم تفتح قابليته لاقتناء هذه الأدوات التي بات أغلبها عبارة عن “اكسسوارات” للمنزل، في حين كانت هدفاً للبعض الآخر ممن يحظون بساعات إضافية من الكهرباء في مناطقهم، إلّا أن هذا السوق لا يخلو يومياً من المشاحنات بين أصحاب المحال والزبائن، سواء الراغبين بالشراء و”المفاصلة” على السعر المرتفع جداً أو الزبونات الذين يريدون إعادة الأجهزة التي اشتروها قبل يوم أو أسبوع في أحسن الأحوال نتيجة رداءة جودتها وتوقفها عن العمل وحاجتها للصيانة بأرقام فلكية توازي نصف ثمنها، فالقطع الداخلة في صناعة الأجهزة الكهربائية الكبيرة والصغيرة اليوم –بحسب أصحاب المحال- تُصنّف من أسوأ الأنواع، وبالتالي لا يمكنها تحمّل ضعف التيار الكهربائي المغذي أو الومضات التي تحصل كثيراً أثناء ساعات الوصل ليصل المواطن خلال شهر من شرائها إلى ورشات الصيانة، خاصّة وأن بطاقات الكفالة لهذه الأجهزة والتي كانت تبدأ بالأشهر وتنتهي بالسنوات لم تعد موجودة اليوم.
جهل المواطن
ومن هذا المنطلق كان لمصائب المواطنين فوائد جمّة لمعلمي الصيانة الذين يعيشون اليوم بلا رقيب أو حسيب على عملهم وعلى القطع التبديلية التي –بحسب زعمهم- تكلّف غالياً، وفي الكثير من الأحيان لا يضطر المصلّح لاستبدال هذه القطع بل يكتفي بتصليحها، إلّا أن جهل المواطن بهذه المصلحة يجعله يدفع الأجرة المرتفعة للصيانة دون أدنى شكّ بكلامه، إذ باتت أجرة صيانة أقل قطعة في الغسالة مثلاً تكلّف بحدود مليون ليرة في الضواحي، في حين تتجاوز هذا المبلغ في المدن، لعدم وجود جهة رقابية مسؤولة بشكل جديّ تضع أسعاراً واضحة لقطع تبديل جميع الأجهزة الكهربائية وهامش ربح معقولاً لليد العاملة، الأمر الذي برّرته الجمعية الحرفية للأدوات الكهربائية والإلكترونية بخضوع هذا السوق لسعر الصرف المتذبذب والذي يؤثر حتماً على سعر المواد المُصنّعة للأجهزة الكهربائية كونها مستوردة، ولا يخفى على أحد أن أجور الشحن مرتفعة عالمياً، وبالتالي فإن ارتفاع سعر الأجهزة بعيد كل البعد عن الحرفي.
الأمن الصناعي
ولم يأتِ تصريح جمعية حماية المستهلك بشيء جديد، فأمين سر الجمعية عبد الرزاق حبزة تحدث عن الجولات التي قامت بها الجمعية في سوق الكهرباء، وكشفت عن وجود جملة من المخالفات، أولها عدم وجود كفالة للأجهزة الكهربائية، إضافة إلى وجود أنواع كثيرة مهربة ومجهولة المصدر، مشيراً إلى وجود الكثير من الغش في صناعة الكابلات بالمادة العازلة وماهية المادة الموصلة للكهرباء، حيث يتمّ خلط الألمنيوم مع النحاس، بالإضافة إلى استبدال النحاس الموجودة في أفياش الكهرباء بالحديد مما يتسبّب بارتفاع درجات الكهرباء وتسبب الحرائق، ولفت حبزة إلى أن الجمعية قامت بمراسلة وزارة الصناعة لوضعها بصورة تلك المخالفات وحالات الغش الخطيرة، معرباً عن أسفه لعدم ورود أي ردّ أو إجابة أو إجراء يساهم في تحقيق الأمن الصناعي.
وفيما يتعلق بزيادة الأعطال في هذه الأجهزة وعدم إمكانية تصليح أغلبها، عزا الخبير الاقتصادي السبب لعدم وجود قطع تبديلية لها، وإن وجدت ستكون غير أصلية مما يؤدي لتكرار الأعطال ووجود خلافات بين البائعين والمستهلكين.
فوضى في السوق
ولم ينفِ حبزة وجود تلاعب بأجرة الصيانة والتي يتمّ العمل عليها اليوم للحدّ منها، حيث سيتمّ التوصل قريباً إلى تفاهم بين جمعية حماية المستهلك واتحاد الحرفيين لتحديد أجرة الصيانة والإعلان عنها، فهذا الموضوع معقد جداً –حسب قوله- نتيجة جهل المواطنين بماهية الأعطال وعدم قيام أصحاب ورشات الصيانة بإيضاح هذه الأعطال ونوع القطع التي سيتمّ تبديلها، وبيّن حبزة أن البعض من عمال الصيانة يقومون باستبدال القطع الأصلية بقطع تقليدية بدلاً من تصليحها كي تتعطل مرة أخرى ويضطر المواطن لإصلاحها مرة جديدة، وبالتالي كسب المزيد من المال بالنسبة لعامل الصيانة، لافتاً إلى وجود فوضى بهذا العمل الذي يحتاج لمراقبة كاملة وتحديد لجان فنية لمعرفة هذه الأنواع، إضافة لضرورة وجود بطاقة بيان على الأجهزة الكهربائية تحدّد استطاعتها ومدى توفير الكهرباء فيها ونوع المحرك الموجود، لذا من المهمّ وجود رقابة تموينية ترافق لجان مختصة بهذا الموضوع ودراسة بيان تكلفة لكل قطعة كهربائية ومصدرها وتقديم فترة ضمان لها.
ميس بركات