صبية صينية وأمها: نحب حلب أكثر
حلب- غالية خوجة
تتمتّع حلب الشهباء بمحبة العالم النقي، ولا تبادل المحبة والوفاء إلاّ بمزيد من المحبة والوفاء، وتصمد وتدافع وتنتصر على الأعداء، وهذا من شموخها الوطني والإنساني وأعرافها الحضارية العريقة.
وحلب، كما هي منبع الانفتاح على جميع المحبين، طيبة مثل حجارتها الشهباء، كريمة ومضيافة، وذاكرتها تشعّ بطريق الحرير القديم والمعاصر، وحاضرها ـ وعلى الرغم ممّا أصابهاـ ينهض متجهاً نحو الشمس، فتراها مدينة تجمع التنوع السكاني النابض بقلب واحد، وترحب بزوارها العرب والأجانب الذين تراهم في كلّ مكان، ومنهم الزوار الصينيون الذين يحبون سورية كثيراً، ويتنقّلون بين مدنها، ولاسيما دمشق وحمص واللاذقية وحلب.
وليس غريباً أن تعبر مصادفة في حديقة “العروبة” بين العزيزية والسليمانية وضفاف نهر قويق، وترى فتاة تحمل كاميرا وتصور امرأة أخرى وهما بمنتهى السعادة.. الصبية ترشد المرأة بلغتها الصينية لتكون في وضعية التصوير المناسبة، وتبدوان وكأنهما صديقتان منذ أزمنة، وهذا ما دفعني للتّوقّف وإلقاء التحية عليهما والترحيب بهما في سورية وحلب، لأكتشف أن الفتاة واسمها “تشين” وأمها واسمها “باو” في زيارة منذ أيام لسورية، وتأخذان استراحتهما على أحد الكراسي في الحديقة.
وكان أن تحدثنا لتقول لي الفتاة: “اسمي تشين، وعمري 35 سنة، وأزور سورية للمرة الثانية، وذهبت مع أمي إلى دمشق وحمص، وحالياً، في حلب التي نحبها أكثر”.
فسألتها: “لماذا؟”.
أجابتني: نرتاح فيها كثيراً، وناسها طيبون، ولا نشعر بالغربة، ومعالمها السياحية متفردة.
وعندما سألتها: هل ذهبتما إلى القلعة والمدينة القديمة؟ وهل تحتاجان لدليل ومساعدة لأقدمها لكما؟.
أجابت بابتسامة: نعم، زرنا قلعة حلب أولاً، لكنني حزينة لأنها مغلقة، فأمضينا وقتنا حولها، بين الأسواق القديمة والمقاهي، وذهبنا إلى الحديقة العامة، وكم هي كبيرة، وكم يزورها الناس والعائلات، ويستمتعون بأوقاتهم ببساطة على الرغم من كلّ شيء، وشكراً، لأننا نتحرك مستهدين بأحد برامج محركات البحث.
.. ولكن، ماذا عن أمك؟.
ابتسمت الأمّ اللطيفة، وأجابتني ابنتها: إنها لا تجيد الإنكليزية لكنها تدرّس مادة الفيزياء في الجامعة.
وعندما وجهت سؤالي إلى الأم وترجمته ابنتها، أجابت: الفيزياء مهمّة في الحياة، وعلائقها تفيدنا حتى في السلوكيات، لأن العلوم في حال تطبيقها مع الواقع تساعدنا على المزيد من الاكتشاف، وأعدّ الرحلات والسياحة نوعاً من الحركة الفيزيائية التي تجددنا مع ثقافة الآخرين، وبكل تأكيد، أحبّ سورية، مثلي مثل الشعب الصيني، وخصوصاً حلب.
وبالفعل، ظهر ما في قلبيهما من صفاء ومحبة وأنا ألتقط لهما الصورة وهما مبتسمتان، بينما رفعت الأم أصابعها بإشارة النصر بعفوية واضحة، وأنا أقول: ونحن نحب الصين وشعب الصين.
.. مضيت وأنا أتأمل دواخلهما الراحلة إلينا كما رحلت آثار أجدادهما بين الخانات والأسواق والدروب والأزقة والمتنزهات، وتجولتْ عبْر العصور والفصول، بين الأشجار والنباتات والأعشاب الكثيفة المصافحة لاخضرار كثيف بعد شتاء بارد.