البعثيون بين الاختيار والاختبار؟
سارت الانتخابات الأولية المتعلقة باللجنة المركزية المأمولة بشكل سلس وحالة من التنافس النسبي بين المترشحين مع ملاحظة فوز أغلبية أعضاء القيادات الحزبية القائمة على مستوى الشعب ورسوب أعضاء قيادات سابقة، ما يشير إلى تأثير القائمين على رأس عملهم في نتائج العملية الانتخابية ويطرح السؤال حول ضرورة حل القيادات الحزبية على مستوى الفروع والشعب قبل عملية الانتخاب لإيجاد مناخ تنافسي أكثر حيادية ويوفّر فرصاً متساوية للجميع.
إن العملية الديمقراطية وترسيخها في الحزب مسألة غاية في الأهمية، لأنها تمنح فرص خيار حقيقي للجهاز الحزبي لاختيار قياداته التي تمثله وتحمّله مسؤولية ذلك، ما ينشّط الذائقة الانتخابية ويجعلها أكثر موضوعية ومعيارية، إضافة إلى أن الناتج الانتخابي بتكرار الممارسة يصبح أكثر جودة وكفاءة، وبهذا المعنى تصبح العملية الانتخابية اختباراً للمعيار الانتخابي للجهاز الحزبي وتطوّره وارتقائه عبر آليات الانتخاب، ما يزيل الرواسب الموروثة التي كانت تشكّل معضلة مزمنة في معظم التجارب الديمقراطية السابقة بكل أشكالها، ولا سيما الانتمائية الضيّقة وغيرها من فرعيات هوياتية تترك بصماتها السلبية على الناتج الانتخابي وتخلق اصطفافاتٍ غير موضوعية في الجهاز الحزبي تصل أحياناً إلى مستويات التكتل على قواعد وحوامل عشائرية وجهوية وأسرية وغيرها من الموروثات الاجتماعية.
إن وعي الجهاز الحزبي لأهمية ومحورية ومركزية دوره في العملية الانتخابية مسألة على درجة من الأهمية، وترتّب عليه مسؤولية حزبية وأخلاقية ووطنية أثناء ممارسته حقه، سواء في مرحلة الترشّح أم الانتخاب، فثمة مترشحون يُدفع بهم لجهة جعلهم محرقة أصوات وحرقاً للرفيقات والرفاق الجيدين، وهذا يستدعي التشدّد في شروط الترشيح حسب أهمية وتراتبية المؤسسة الحزبية في الهيكل التنظيمي للحزب “قيادة فرقة شعبة فرع لجنة مركزية مؤتمر قطري الخ”، وهنا تبرز أهمية الاشتراطات وفق المستوى المطلوب لتتناسب مع طبيعة المهمة القيادية المطلوبة، وهذا دور القيادة المركزية للحزب التي تضع شروط الترشح والانتخاب بحيث تتشدّد في عملية اختيار القيادات العليا من مستوى فرع ولجنة مركزية ومؤتمر قطري، وتكون اشتراطاتها أقل على مستوى الفرق والشعب الحزبية، إضافة إلى ضرورة ترك هامش متحرّك لمسألة التعيين حسب الحاجة والضرورة لاستكمال الهدف المحدّد من كل مستوى تنظيمي، وكذلك استكمال اللوحة الوطنية وضروراتها.
إن الوقوف على تحليل الناتج الانتخابي في كل مستوى من مستويات العملية الانتخابية مسألة ضرورية لجهة تصويب تلك العملية ووصولها إلى أهدافها التي ترتكز إلى قاعدة الوصول إلى قيادات كفؤة وقادرة على القيام بمهامها بكفاءة عالية تساهم في تحقيق الأهداف المرجوّة سواء أكانت ذات طابع مرحلي أم استراتيجي، وهذه المسألة تحكمها ظروف الحزب والوطن وطبيعة التحدّيات التي تواجههما، والحاجة للأدوات الضرورية للقيام بتلك المهام والقدرة على التعاطي النوعي والإبداعي معها وتنفيذها بالشكل المطلوب والمناسب، ما يوفّر مردوداً جيداً ومحصلة نوعية ومناسبة. من هنا تصبح عقلنة العملية الديمقراطية بمستوياتها ومراحلها وتقويم وتقييم الناتج مسألة مهمّة، إضافة إلى نقد التجربة بسلبياتها وايجابياتها والخلوص لمحصلة أفضل.
إن الحزب أمام مسار جديد كما تحدّث الرفيق الأمين العام الدكتور بشار الأسد على المستويين الفكري والتنظيمي، إضافة إلى انتقال الحزب إلى حالة الشراكة الواسعة في إطار الأفكار والمشاريع وتوسيع الحوض الوطني وتجديده بعملية يقودها الحزب عبر شراكة وطنية فاعلة يتحمّل مسؤوليتها الجميع، لأنها تتعلق بإعادة بناء وطن قوي بقواه الداخلية ونواتها الصلبة، وهو المواطن المنتمي والفاعل والشريك في المغرم والمغنم والمعتز بوطنه وجيشه وقيادته، والثقة بتحقيق كل المصفوفة الوطنية بثقة واقتدار.
د. خلف المفتاح