الجيل الشاب يغيب عن المشهد الأمريكي
تقرير إخباري
تنشغل معظم الأوساط الإعلامية وغير الإعلامية في مراقبة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتتصدّر المشهد الساخن سيناريوهات عن وصول ترامب إلى السلطة أو بقاء بايدن في البيت الأبيض.
وبغض النظر عن وصول هذا أم بقاء ذاك أو حتى وصول شخص ثالث، فإن هذا السجال ومركزيته حولهما يعكس حقيقة “الديمقراطية الأمريكية” من خلال مسألتين أساسيتين، الأولى تتمثل في إهمال رأي الجيل “زِد” أو الجيل الرقمي من الشبان دون العقد الثالث، الذين أبدوا كل الاستغراب والرفض والسخط تجاه سياسات إدارة بلادهم في إشعال الحروب والجبهات ونهب والشعوب، وليس آخرها دعم قتل “إسرائيل” للأبرياء في غزة طارحين حل إنهاء الكيان الصهيوني في العديد من استطلاعات الرأي، كما شجبوا مراراً ما سبق ذلك من رمي أوكرانيا في أتون حرب أحرقتها، بل دمرت اقتصاديات دول كثيرة، وخلخلت أمن الطاقة وأمن الغذاء وكل أمنٍ في هذا العالم.
ورغم كل ما أظهره هذا الجيل الشاب من رفض لتلك السياسات إلا أنه من الواضح أن رأيه لم ولن يؤثر في صناع القرار الأمريكي أو حتى الغربي عموماً، وهنا لا نقصد بصناع القرار عجائز وواجهات السلطة الغربية، مثل بايدن الذي لم تعد تفرّق قدراته الذهنية بين دولة عربية وأخرى في القارة اللاتينية، بل نقصد من يأتي بمثل هذه الشماعات واجهةً للحكم، ويبقيها في مسرح السلطة والقرار العالمي أطول وقت ممكن لتحمل عن ظهر شركاته وكياناته الرأسمالية وزر إجرامه ونهبه الشعوب بما فيها الشعوب الغربية، وفي الوقت نفسه يجري إبعاد الجيل “زِد” عن جادة السلطة؛ لأنه جيل الدماء الشابة التي حتى لو وُجد في صفوفها من هم قليلو الخبرة أو المستعدين للفساد فإنهم لن يصلوا لمستوى بشاعة أنموذج العجوز المنبطح المستعد لتنفيذ ما يؤمر به بعد أن تمرّس على إتقان ذلك عقوداً طويلةً، سعياً وراء السلطة أو الشهرة أو المال والاكتناز حتى لو أغرق العالم دماءً.
أما المسألة الثانية التي يثيرها سجال “بايدن – ترامب” فهي تكمن فيما يمكن استخلاصه من تصريح لرئيس روسيا فلاديمير بوتين، والذي فاجئ البعض في رأيه بأن “بايدن أفضل من ترامب”، رغم أن ترامب وفي مرات عديدة مدح بشكلٍ معسول شخصية الرئيس بوتين وذكائه وحبه لبلاده، وأبدى الرغبة في التفاوض معه لإنهاء الحرب الأوكرانية خلال يوم واحد، واصفاً بالمقابل بايدن بكل أنواع الغباء والحمق والرعونة السياسية التي قد تتسبب في حرب عالمية ثالثة- رغم كل ذلك علل بوتين رأيه في أن “ترامب لا يمكن التنبوء بتصرفاته”.
ولو تبحرنا في تفسير هذا الرأي سنجد دلالات أكثر تثبته، فبايدن وترامب كما أسلفنا هما شماعتا فساد وإجرام، لكن في الحقيقة فإن الشماعة الأولى باتت أكثر إحتراقاً أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، ولم يعد من الممكن تحميلها أو تحميل حزبها تبعات إجرام وحروب أكثر مما اقترفته على مستوى العالم بأسره، ومن الأفضل استبدالها بأخرى تم تلميعها ببعض المغازلات والتصريحات للرأي العام الغربي وغير الغربي، لتصل إلى السلطة وتبتكر طرائق قتل ونهب ودمار وفق سيناريوهات أخرى تبدو أكثر دبلوماسية، وحتى لو رشحت منها الدماء والصواريخ، فبالنهاية الماكينة الرأسمالية الأنغلوساكسونية ما زالت تسير، وما سيجري فقط هو رمي مسنن صدئ واستبداله بمسنن سيكون أكثر صدءاً حتى لو صدر منه بريق الذهب والعقيق، ولن يوقفها سوى المضي في مشروع كسر القطبية الذي يقوده جنوب العالم بمواجهة ضفتا الأطلسي.
بشار محي الدين المحمد