دراساتصحيفة البعث

“ناتو” يفشل في كسر انتصارات الجيش الروسي

ريا خوري

بعد أن دخلت الحرب الأوكرانية شهرها الـ22 دون أن يحقّق حلف شمال الأطلسي (ناتو) أي نجاح في إخضاع القوات الروسية، قام الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ بالتحذير من ضرورة الاستعداد لتلقي (أخبار سيئة) قادمة من أوكرانيا. وبعد الكثير من المعطيات والتقارير التي تحدّثت مطوّلاً عن فشل الهجوم الأوكراني المضاد، بات الجيش الأوكراني أمام تحدّياتٍ عدّة أهمها مواصلة القوات الروسية ضرباتها الجوية العنيفة، وهجماتها ضد الجيش الأوكراني بطائرات دون طيار،  في ظل المعاناة التي يواجهها الجيش الأوكراني خلال فصل الشتاء البارد، فضلاً عن كون دول الاتحاد الأوروبي بشكلٍ خاص ودول حلف الناتو بشكلٍ عام عاجزة عجزاً تاماً عن توفير ما يقدّر بمليون طلقة ذخيرة متعدّدة الأغراض وعدت بها القيادة الأوكرانية قبل نحو عام.

هذا الوضع المتشابك دفع ستولتنبرغ إلى التعليق على سؤالٍ مهمّ عمّا إذا كان يخشى أن يزداد الوضع العسكري في أوكرانيا سوءاً في المستقبل القريب أو البعيد، بالقول: إنّه (يتعيّن علينا أن نكون مستعدين لتلقي أخبار سيئة قادمة من أوكرانيا)، و(إنَّ الحروب الساخنة تتطوّر على مراحل متلاحقة، ولكن علينا أن ندعم أوكرانيا بقوة  في كل الظروف الإيجابية منها والسيئة)، موضحاً أنَّ أوكرانيا تعيش وضعاً حرجاً وهي بحاجة ماسة للدعم العسكري والأمني واللوجستي، ومن الضروري تعزيز إنتاج الذخائر التي تساند الجيش، وخاصة بعدما عجزت دول الناتو عن تلبية الطلب المتزايد عليها، تاركاً الأمر للقيادة الأوكرانية السياسية والعسكرية لاتخاذ تلك القرارات العملياتية الصعبة جداً، ومعتقداً أنه كلما زاد دعم الناتو لأوكرانيا شارفت الحرب على نهايتها.

من الواضح تماماً أنَّ إعلان ستولتنبرغ، قبل عدّة أيام في العاصمة البلجيكية بروكسل، خلال اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي، هو تعبير صريح عن تخوّف الحلف من روسيا الاتحادية التي حققّت تقدّماً واضحاً في إيقاف تمدد الدعم الغربي لأوكرانيا، فقد تضمّن إعلانه أنَّ انتصار روسيا الاتحادية في أوكرانيا سيكون (خطراً حقيقياً)، وأن دعم الناتو لأوكرانيا ليس صَدَقة أو دعماً مجانياً، بل هو استثمار في أمن دول الناتو، و(أن الحلف لن يسمح لروسيا الاتحادية بالانتصار). هذا الإعلان يؤكد أنَّ إرادة الناتو ستستمر في تأجيج الحرب وأنّ المعركة الساخنة مع روسيا الاتحادية ستطول ربما لسنوات عدّة، وأنَّ وقودها سيكون أوكرانيا وشعبها وجيشها ومقدراتها، وأن على دول حلف (الناتو) أن تستثمر فيها بالسلاح الذي يبدو أنه بات هو الآخر يعاني النقص الحاد في مستودعات  ومخازن جيوش هذه الدول، وخاصة بعدما تلكّأ الأمريكان بتقديم الدعم، بعد عدم موافقة الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب على تقديم مساعدات لأوكرانيا والكيان الصهيوني بقيمة مائة وأربعة عشر مليار دولار، وهذا الرفض بات هو الآخر محل تساؤل.

إنَّ مجريات العمل العسكري على الساحة الأوكرانية تؤكد هزيمة دول الناتو على الرغم من إصراره على (هزيمة روسيا الاتحادية)، وهذا يفرض العديد من التساؤلات، منها كيف يمكن تحقيق الانتصار على روسيا الاتحادية بينما باتت كل دول الناتو تعاني أزمةً حادّة جداً في الذخائر والتسليح، في حربٍ طاحنة تستهلك عشرات الملايين من الصواريخ والقذائف والرجال، ولا تزال روسيا الاتحادية تملك قوةً عسكرية ولوجستية فائقة وتتفوّق على الجيش الأوكراني في سلاح الجو، وتنتج المزيد من الذخائر والأسلحة وتزوّد الميدان بالرجال والعتاد؟.

لقد اعترف ستولتنبرغ بأنّ الحلف يعاني المزيد من المشكلات التي تتعلَّق بالاحتياطات العسكرية، وعلى الرغم من  ذلك ادّعى أن حلف الناتو أقوى من روسيا الاتحادية، مضيفاً: في بداية الحرب الساخنة تلك نفدت الإمدادات لدينا، وأعدادها الآن منخفضة للغاية، وهذا لم يكن بحسباننا، والآن نحن بحاجةٍ كبيرة إلى التركيز على كيفية إنتاج السلاح والذخيرة، فكيف يمكن لجيش مثل الجيش الأوكراني أن يقاتل وهو يعاني نقصاً حاداً في الذخيرة وينتصر؟ ثم وسط تشتّت وانقسام كبيرين حول أهداف تلك الحرب واستمرارها؟.

لم تقف روسيا الاتحادية مكتوفة الأيدي إزاء ما يجري في أوكرانيا، فقد سعت القيادة الروسية إلى توجيه رسالة رمزية واضحة وصريحة بمناسبة الذكرى الثانية لعمليّتها العسكرية إلى كلٍ من دول حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا بأنَّ يدها ما زالت طويلة وقوية، وأنها قادرة على تحقيق الانتصار الباهر على خط المواجهة، وإفشال كل الهجمات المضادة التي يقوم بها الجيش الأوكراني، بدءاً من فصل الربيع الماضي حتى الآن، على الرغم من كميات وأنواع السلاح الغربي الأمريكي ـ الأوروبي الذي تم تقديمه للجيش الأوكراني. إنّ حجم النجاحات التي يحققها الجيش الروسي في أوكرانيا وخاصة تمكّنه من السيطرة على مدينة أفدييفكا الواقعة في جمهورية دونيتسك يوم السبت الماضي 17 شباط الجاري، واعتراف قائد القوات الأوكرانية ألكسندر سيرسكي بالانسحاب مندحراً منها، والانتقال إلى خلف خطوط المدينة  الذي يعدّه (أكثر ملاءمة)، وهي المدينة التي تتمتع بموقع جيواستراتيجي كانت تمثل عقدة دفاعية مهمّة للجيش الأوكراني، هذا النجاح هو رسالة رمزية روسية صريحة وواضحة لكلٍ من أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي بأنها قادرة وبجدارة على تحقيق الانتصارات المتتالية، وأن الإصرار على مواصلة الحرب الساخنة ورفض الجلوس حول طاولة المفاوضات هو خيار انتحاري.

وأكّد عدد كبير من المراقبين العسكريين أن الاستيلاء على مدينة أفدييفكا الواقعة في جمهورية دونيتسك، انتصار للرئيس الروسي بوتين، ونقطة تحوّل محورية في مسار الحرب، حيث إن المدينة تمثل قيمة رمزية واستراتيجية للجانبين، وسبق أن سقطت بأيدي الجيش الروسي لفترةٍ وجيزة عام 2014م قبل أن تستردّها القوات الأوكرانية، وهي نقطة استراتيجية لتأمين السيطرة على منطقة دونيتسك، مثلها مثل باخموت وهي مدينة في أوبلاست دونيتسك في أوكرانيا، التي انسحبت منها القوات الأوكرانية خلال العام الماضي، بعد معارك نارية ضارية مع القوات الروسية.

وأخيراً لا بدَّ من التأكيد أنّ روسيا الاتحادية لا تزال مصمّمة على تحقيق أهدافها، ومن الواضح أن حلف شمال الأطلسي الذي فشل مراراً عمل وسيعمل على هزيمتها، مع العلم أنّ كبار القادة في الحلف يؤكدون في الغرف المغلقة أنهم غير قادرين على إلحاق أي هزيمة بروسيا الاتحادية لأنها تملك قوة عسكرية هائلة وقوة في التخطيط العسكري والعمل اللوجستي والاستخباراتي، كما تملك رؤية استراتيجية للقادم من الأيام..