متوالية الفشل الأمريكي
تقرير إخباري
رغم خطة أو ربما إدعاءات بايدن منذ وصوله إلى البيت الأبيض بالخروج الأمريكي من الشرق الأوسط، وما تبعها على امتداد عام كامل من تصريحات للإدارة الأمريكية في حتمية ترك المنطقة للتفرّغ لمنطقة آسيا-الهادي، إلا أن بايدن- كما ترامب- تراجع مدفوعاً بالتطورات الكثيرة التي حصلت في المنطقة، ومنها فشل المشروع الأمريكي في إقناع عدد من الدول العربية بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي ونسج علاقات اقتصادية معه دون أي مقابل- أي نسيان القضية الفلسطينية- هذا بالإضافة إلى الفشل في زرع العداوات بين إيران ودول المنطقة، ولا سيّما دول الخليج العربي، ليخرج الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية، مبرهناً أن دول الخليج باتت قادرة على تغيير خياراتها حسب مصالحها الإستراتيجية التي ظهرت عبر تعزيز الشراكات الاقتصادية مع الصين وتعزيز مبادرتها “الحزام والطريق” في الشرق الأوسط، فضلاً عن مقاطعة أي عقوبات أحادية غربية فرضت ضدّ روسيا لتظهر إتفاقات “أوبك بلُس” للحفاظ على أمن وأسعار الطاقة في العالم لصالح منتجي النفط لا متسوليه في الغرب.
إن متوالية الفشل هذه أوقعت إدارة بايدن في التخبّط، فلا هي قادرة على العودة إلى الصين لتطويقها ووقف تمدّدها في آسيا ومبادرتها العالمية، ولا هي مستعدّة للإنشغال والتأخر عن العودة إليها من الشرق الأوسط، لذلك حاولت إنتاج حلّ جهنمي يتمثل في العدوان على غزة والشعب الفلسطيني، متوهمةً تحقيق بعض شروخ الصف العربي والإقليمي وتباعداً مع إيران والصين وروسيا، لكن هذا “الحل” إنعكس وبالاً على تلك الإدارة، حيث اصطدم بوحدة صف عربية غير مسبوقة منذ عقود تجاه شجب العدوان الصهيو-أمريكي في المنطقة، وفشل في تطويق إيران والصين وروسيا.
والأهم من ذلك كله أن “الحل الأمريكي” أشعل همّة قوى محور المقاومة التي تآزرت على أن الوجود الأمريكي في سورية والعراق وكل المنطقة هو الخطر الأوحد على جميع الحلول السياسية والاقتصادية في المنطقة، وأن دورها لا يتعدى السرقة والنهب وإشعال الفتن بالتزامن مع دعم “داعش” وغيرها من قوى الإرهاب، حيث شاهدنا مدى قوة وحدّة ضربات المقاومة ضدّ القواعد الأمريكية غير الشرعية في سورية والعراق، وصولاً إلى قاعدة الكيان المصطنع ومراكزها في حيفا وأم الرشراش.
بمعنى آخر، باتت المنطقة اليوم أمام مخطط وطني قوي وكبير همّه إخراج قوات الاحتلال الأمريكي من سورية، بالتزامن مع إخراجها من العراق بعد إسقاط “غطاء” وجودها القانوني من البرلمان وجميع السلطات العراقية. وتالياً تشجيع الدور العربي الخليجي والإفريقي في الوقوف ضدّ أمريكا و”إسرائيل” وممارساتهما وقطع كل آمالهما في التطبيع، فربما بعد ذلك يمكننا الحديث عن تشكيل قطب عربي قادر على اتخاذ القرار وتنفيذه دون أدنى ضغوط لحماية شعوبه ومصالحه وثرواته.
بشار محي الدين المحمد