ثناء دبسي والرحيل الموجع
أمينة عباس
تنتمي إلى ذلك الجيل الذي أحب المسرح وأخلص له.. في مرحلة مبكرة من حياتها وأثناء دراستها في المرحلة الإعدادية الإعدادية برعت برقص السماح وغناء الموشحات والتمثيل في الحفلات المدرسية التي كانت تقام في أواسط خمسينيات القرن الماضي على خشبة مسرح دار الكتب الوطنية في مدينتها حلب التي ولدت فيها، وكانت معروفة حينها ـ لكثرة ما غنّت في هذه الحفلات ـ بأنها مطربة المدرسة على الرغم من إشارتها في أحد الحوارات إلى أنها لم تطمح في يوم من الأيام إلى أن تكون مطربة وإن كانت مولعة بالغناء الذي كانت تلجأ إليه للتعبير عن حالات الفرح والحزن، وتتذكر أنها في تلك المرحلة تدربت مع زميلاتها على كل أنواع الفنون من رقص وغناء وتمثيل على يد إحدى فرق الهواة في حلب، والتي كانت تضم عدداً من الفنانين، ثم سرعان ما انضمت إلى فرقة نادي المسرح الشعبي في حلب، وفيها تدربت على يد الفنان بهجت حسان الذي علَّمها غناء الموشحات الأندلسية والقدود الحلبية لتطوير طريقة الإلقاء، وقد احتفظت ببعض الصور بلباس السماح على مسرح المدرسة وشاركت في عرض راقص في دمشق على مسرح معرض دمشق الدولي، ومن ثم في القاهرة والأقاليم المصرية الأخرى، كذلك في غزة وكانت تتعرض للقصف من قبل الكيان الصهيوني، وكل ذلك بدعم من وزارة الثقافة التي كانت في بداية تأسيسها أيام الوحدة بين سورية ومصر 1958 لتتوقف عند أول مسرحية قدمتها مع الفرقة في المدرسة وكانت عن البطلة الجزائرية جميلة بوحيرد أيام انتصار الثورة الجزائرية، وفيها غنَّت أغنية فيروز “سنرجع يوماً إلى حيّنا” .
من حلب إلى دمشق
عانت ثناء دبسي في بداياتها ـ كغيرها من الممثلات آنذاك ـ نظرة المجتمع لعملها في مجال الفن الذي كان مرفوضاً، لكن والدها كان متفهماً ومشجعاً لها ولأختها الفنانة ثراء، الأمر الذي جعلها تستمر في عمل ما تميل إليه ومحاولة تطوير ذاتها عبر تثقيف نفسها بقراءة كتب المسرح والتمثيل لعدم وجود معهد لتدريس هذا الفن آنذاك، فكانت تفضّل شراء الكتب على شراء الثياب وتمشي على قدميها لتوفر أجرة المواصلات وتشتري بها كتباً، وكانت كلما قرأت مسرحية تتأثر بكاتبها وتبحث عن كل ما يتعلق به وبكتاباته، مثل “لوركا” و”إبسن” و”ويليامز” حرصاً منها على تعلّم كيفية أداء عملها المسرحي، إلى جانب اهتمامها بكتب علم النفس لتساعدها في فهم الشخصيات المراد أداؤها، ولأن طموحها كان كبيراً، قررت وأختها ثراء دبسي التوجه إلى دمشق للانضمام إلى فرقة المسرح القومي التي كانت قيد التشكيل، وفيها تدربت على يد المخرج الأردني هاني إبراهيم صنوبر الذي اختارها للمشاركة عام 1961 في مسرحية بعنوان “أبطال بلدنا” التي كانت أول عرض مسرحي احترافي تشارك فيه، ثم تتالت مشاركاتها المسرحية خلال فترة الستينيات فقدمت “شيترا” 1961، و”الأشباح” 1962، و”مروحة الليدي وندرمير” 1962، و”رجل القدر” 1962، و”مدرسة الفضائح” 1963، و”لو رآنا الناس معاً” 1964، و”هواية الحيوانات الزجاجية” 1964، و”الشرك” 1965، و”عرس الدم” 1966 وغيرها، وكانت ثناء دبسي تردد دائماً أنها تعتز بكل أعمالها المسرحية، وخاصة مسرحية “الأشجار تموت واقفة” عام 1977 للكاتب الإسباني “أليخاندرو كاسونا” إخراج علي عقلة عرسان لقناعتها أنه كان عملاً متكاملاً على صعيد النص والمخرج والممثلين ودورها المميز، ولأسباب تتعلق بخلافها مع مدير المسارح آنذاك قررت مغادرة خشبة المسرح في الثمانينيات على الرغم من عشقها لها، وحين عادت إليها بعد انقطاع 23 سنة عام 1999 بكت عندما وقفت على المسرح وكان ذلك من خلال مشاركتها في مسرحية بعنوان “تخاريف” إلى جانب الفنان الراحل عبد الرحمن أبو القاسم ليكون العمل الأخير لها في المسرح.
نجاح كبير
فتح لها النجاح الكبير الذي حققته على خشبة المسرح أبواب الدراما التليفزيونية والإذاعية وعالم السينما، وكما معظم الفنانين ليس لدى ثناء دبسي تجربة سينمائية كبيرة، فكانت لها مشاركات قليلة في أفلام “اللجاة” مع المخرج رياض شيا، و”المخدوعون” مع المخرج توفيق صالح، و”قيامة مدينة” مع المخرج باسل الخطيب، وغيرها، في حين تملك ساعات طويلة من الأعمال الإذاعية التي قدمتها إلى جانب الأعمال التلفزيونية التي بدأتها مع المخرج سليم قطايا من خلال سهرات تلفزيونية عديدة إلى أن قدمها المخرج علاء الدين كوكش عام 1970 في مسلسل “حارة القصر” الذي حقق نجاحاً كبيراً، وتتالت أعمالها التلفزيونية فتألقت في “أولاد القيمرية”، و”الشمس تشرق من جديد”، و”سيرة آل الجلالي”، و”البيت القديم”، و”القناع”، و”غزلان في غابة الذئاب”، و”قوس قزح”، و”الميراث”، و”وراء الشمس”، و”العار”، و”ترجمان الأشواق” إخراج محمد عبد العزيز وهو آخر ما قدمته.
كانت ثناء دبسي تقول: “عندما أقوم ببروفات أي عمل درامي، وأقف أمام الكاميرا أتحول إلى شخص آخر، وأنسى نفسي، وأشعر أنني أمتلك المقدرة على مجاراة الأجيال الشابة في العمل والنشاط والحيوية، وربما كان هذا بسبب حبي لعملي وفني بشكل عام”، لذلك كانت تؤكد رضاها عن تجربتها الفنية بحسناتها وسيئاتها.
كُرّمت الراحلة في احتفالية يوم الثقافة السورية عام 2020، كما كُرمت في أميركا من قبل جمعية المرأة السورية الأميركية وحصلت على جائزة أفضل ممثلة في لوس انجلوس وكاليفورنيا.