الشخصية الدرامية.. “قيد مجهول” أنموذجاً
أمينة عباس
حسناً فعل الكاتب إيشوع يوسف حين اختار مسلسل “قيد مجهول” إخراج السدير مسعود بطولة باسل خياط وعبد المنعم عمايري الذي برع فيه بتقديم شخصية درامية مركّبة واستثنائية لتكون متكأ له في محاضرته التي ألقاها، مؤخراً، عن “الشخصية الدرامية في التجربة الإنسانية” في المنتدى الاجتماعي، وقد بدا واضحاً أنه بناها لتكون من لحم ودم ولديها قدرة على إقناع المشاهد والتماهي معها، وكأنها شخصية حقيقية، وهذا ليس بالأمر السهل، وهي تحتاج إلى كاتب متمكن في كتابة السيناريو الذي عرّفه يوسف بأنه وصف تفصيلي تسلسلي مكتوب لأحداث الفيلم أو المسلسل، متضمناً وصف المكان والزمان والشخصيات جسمانياً ونفسياً كمكوّن مهم من المكوّنات في الشخصية الدرامية، والذي يرسم طبيعة تفكيرها وسلوكها ويكون الركيزة الأساسية لحواراتها ومشاهدها حين يقوم المخرج بنقل عالم الكتابة إلى مخيلته ومن ثم ترجمته فنياً بمساعدة الفنيين إلى عالم مرئي يراه المشاهد عبر شخصيات رئيسية تمتلك كل واحدة منها سمات محددة تتطوّر خلال فترة زمنية بناءً على الأحداث عبر أداء الممثلين لها، وتعدّ مهارة الممثل في تبني الشخصية المحددة واحدة من أهم الأمور اللازمة لنجاح العمل الذي يجب أن تدور أحداثه خلال فترة زمنية معينة، مبيناً أن الحوار الذي يتبادله الممثلون خلال العمل وتفاعلهم إزاء الأحداث التي تجمعهم يُمكّن الجمهور من فهم القصة والتعرّف على شخصياتها وفهمها بشكلٍ أكبر، وهذا ما تجلى في مسلسل “قيد مجهول” الذي يتألَّف من ثماني حلقات وهو من كتابة محمد أبو لبن ولواء يازجي، ويحكي عن عالم الفقراء والأغنياء، مُبيّناً الخيط الرفيع الواصل بين العالمين، حيث تُعاني الشخصية التي يؤديها الفنان عبد المنعم عمايري حالة انفصام شخصية تجعلها تفقد اتزانها، ويقدّم العمل معالجة درامية في فهم طبيعة المرض، مُظهراً الجانب المظلم للمصاب وكيفية التعامل معه بعد أن يرتدي ثوب العنف المرضي، مُركّزاً على طريقة تركيب الأحداث، ما يثير فضول واهتمام المشاهد.
الموضوع أولاً
وأشار يوسف إلى أن أهم عناصر البناء الدرامي في السيناريو هو الموضوع الذي يُمكن أن يكون محدداً بشكلٍ واضح أو يُمكن للجمهور الاستدلال عليه بعد مشاهدة الأداء كاملًا عبر الحبكة التي هي سلسلة الأحداث في العمل الدرامي، وتبدأ عادةً بالكشف عن الخلفية التي جاءت منها الشخصية الرئيسية وغيرها في القصة، ثمّ تنتقل إلى نقطة الصراع الذي يركّز على الفكرة الأساسية للعمل، ثمّ تنتهي بالخاتمة، منوهاً بدور الموسيقا في أي عمل درامي والتي تكمن أهميتها في جعل المشهد مليئاً بالمشاعر، ليصل الهدف منه إلى الجمهور بالشكل المطلوب، إلى جانب الدور الذي تلعبه العناصر المرئية كالأزياء والمكياج وغيرها في تقديم مشهد كامل، مع تأكيده على أن الفكرة هي أهم ركيزة لصناعة الحدث، فالفكرة ثمنها صفر في حال لم توضع في مكانها الصحيح، وأنه قبل الشروع بتحليل مختلف جوانب السيناريو يجدر بنا منهجياً إثارة مقاربة تتصل بنظرية المعرفة وماهية الوجود الأدبي أو الموقع الأنطولوجي لعمل أدبي ذي طبيعة فنية، مع إشارته إلى أنه لا يوجد من الناحية الفلسفية اختلاط بين أدب السيناريو ومعالم الواقع الأدبي إلا في بعض الأمور، وهذا يحقق نوعاً من التوازن السيكولوجي بين الإنسان والعالم في إطار جغرافي وبشري معيّن.
أنواع الدراما
وتوقف يوسف، أيضاً، عند أنواع الدراما من مسرح وسينما وإذاعة وتلفزيون، وقبل ذلك عرَّف الدراما التي ترجع نشأتها إلى عصر أرسطو قبل الميلاد بأنها تصوير للأحداث بنوعيها الخيالي وغير الخيالي من خلال حوار مكتوب يُمكن أن يكون نثراً أو شعراً، وقام بتقسيمها إلى ستة أنواع مختلفة هي الكوميديا التي تهتم بالموضوع الفكاهي والتراجيديا التي تعرض القضايا المأساوية والكوميديا التراجيدية التي تجمع بين النوعين السابقين والميلودراما التي تعرض أحداثاً مبالغاً فيها لجذب الجمهور، والمونودراما التي يؤدّيها ممثل واحد فقط، ودراما المهزلة التي تعرض جزءاً أكبر من الدعابة وأقل من الجزء المخصص للسرد.
الواقعية الجريئة
وكانت رغداء عزام أمينة سر المنتدى، قد بيّنت في تقديمها لإيشوع يوسف بأنه يعدُّ صاحب لغة واقعية جريئة، ويمتلك إنتاجات جيدة وجميلة الصياغة ويعمل على تصوير الواقع كما هو وأعماله معاصرة تتوجه لجيل الشباب معتمداً على القصص الأدبية القريبة من الدراما ومهتم بكل الشخصيات الدرامية بالتساوي في كتاباته بحيث يمكن للقارئ الاستمتاع بكل تفاصيلها أثناء قراءتها أو مشاهدتها.
يُذكر أن إيشوع يوسف كاتب روائي يحمل شهادة الدبلوم في الإلكترون وشهادة من معاهد خاصة بالتصوير الفوتوغرافي والسينمائي وله أعمال روائية منها:: “رائحة الليمون”، و”لا ظل لشمسك”، و”نعناع الروح”، وديوان شعري بعنوان “أزهار للرغبة”.