حماس لاتيني للقضية الفلسطينية
تقرير إخباري
كان لافتاً موقف دول القارة اللاتينية من القضية الفلسطينية، والذي تأجج بقوة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي منذ تشرين الأول الماضي بعد ما شنّه من عدوان متواصل ضدّ الشعب الفلسطيني، حيث لاحظنا طرد سفراء الكيان وقطع العلاقات والتصريحات النارية والمواجهات الدبلوماسية من زعماء المنطقة وسياسييها وأحزابها بمواجهة ممارسات الإبادة الإسرائيلية بكل وضوح.
إن هذه المواقف تثير التساؤل عن سبب هذا الحماس اللاتيني للقضية الفلسطينية، لكن تفسير ذلك بسيط ويمكن ردّه إلى عدة أسباب تاريخية وديمغرافية وسياسية، يأتي في مقدمها الهجرات العربية من فلسطين المحتلة وسورية ولبنان إلى تلك المنطقة منذ بدايات القران التاسع عشر، وما تلاه من نكبة عام 1948، حيث شكل المهاجرون جالية كبيرة ومميزة فيها السياسيين والفنانين والأدباء والمهنيين ورجال الدين وحتى الأندية الرياضية، وعلى سبيل المثال يقدّر عدد سكان تشيلي من أصل فلسطيني بنحو 300-500 ألف نسمة، وهو عدد ليس بقليل وقد أثّر بشكل واضح في التوجهات العامة للحكومات التشيلية على مدار عقود، وباتت تشيلي عضواً مراقباً في جامعة الدول العربية.
من جهةٍ ثانية فإن دول القارة اللاتينية عانت معاناةً شبيهة لما يقاسيه الشعب الفلسطيني من خلال تعرضها للغزو منذ نهاية القرن الـ13، من دول الغرب ابتداءً من إسبانيا والبرتغال وفرنسا وبريطانيا وهولندا، ومن ثم عانت من المدّ الأمريكي الذي حاول السيطرة على مقدراتها عبر تعيين طبقات سياسية عميلة وموالية له، ما سبب تلاقياً كبيراً بين قوى التحرّر في القارة اللاتينية من جهة والمقاومة الفلسطينية وغيرها من حركات التحرّر العربية من جهة أخرى، كما سبب ذلك كرهاً لاتينياً لجميع القوى الديكتاتورية التي وضعتها أمريكا في بلادها، وباتت تكره أيضاً دعم أي طرف تدعمه الولايات المتحدة مثل الكيان الإسرائيلي، حيث لاحظنا أن أي رئيس في تلك المنطقة يدعمه الغرب يسارع إلى تقديم فروض الطاعة للكيان الصهيوني وآخرهم رئيس الأرجنتين ميلي.
أما على الصعيد السياسي فإن هذه المنطقة تعج بالحركات اليسارية، ومعروف عن قوى اليسار وقوفها ضدّ الاستعمار والاحتلال بأي شكل كان، وبالتالي فجميع قوى اليسار العالمية تعلن رفضها للاحتلال الإسرائيلي للأرض المحتلة ووقوفها مع نضال الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه وحقوقه.
إن هذا المشهد العظيم اليوم، وما سبقه من طلب إفريقي لمحاكمة الكيان في لاهاي، وخروج الشعوب الغربية بما فيها الأمريكية إلى الشوارع والساحات للمطالبة بوقف شلال الدم الفلسطيني وإنهاء حالة الاحتلال لأرضه، توجه ضربةً قاصمة لكل المدعين بأن العرب والفلسطينيين “أخطأوا” من خلال تجييش الصراع العربي الإسرائيلي، أو “فشلوا” في إيصال رسالة الشعوب العربية إلى العالم أو استدرار عطفه بالطريقة الصحيحة لمجرّد أنهم قاوموا الاحتلال، ليظهر أن من يؤيد ذلك الكيان عالمياً هم عبارة فقط عن الطغمة السياسية الأمريكية الأوروبية وماكيناتها الإعلامية التي باتت تعاني هوةً كبرى مع الواقع والشعوب وأولها شعوبها، ونأمل أن يتسبب في إضعافها وإقصائها عن المشهد الدولي قبل ارتكابها المزيد من الكوارث والحروب.
بشار محي الدين المحمد