هل القرارات “الورقية” كفيلة بوقف ظاهرة العنف بين التلاميذ؟.. ما حدث في حلب يقرع ناقوس الخطر لإعادة النظر بإدارات المدارس
البعث- علي حسون
لم تعد الكثافة العددية في المدارس سبباً وحيداً لتدافع الطلاب وأذيتهم، بل أدّت حالات العنف والضرب بين الطلاب إلى إصابات، بعضها خطير نتيجة ازدياد هذه الظاهرة في المدارس، وبدت واضحة للعيان، حيث يكاد لا يمرّ يوم إلا ونرى ونسمع أن تلميذاً ضرب آخر ضرباً مبرحاً أدى إلى كسر ذراعه، أو قدمه، أو إحداث نزيف لآخر، في ظل تراخي بعض إدارات المدارس وسوء التعاطي مع تلك الحالات في الوقت المناسب وغياب دور الإرشاد النفسي!.
هل تكفي..؟!
وما حدث منذ أيام قليلة في حلب من حادثة الاعتداء على الطالبة تسنيم من قبل طالبات في مدرسة هشام بن عبد الملك، بالضرب المبرح الذي أدّى إلى أذيات خطيرة في الرأس والعينين وتورم اليدين والقدمين، أثار وأشعل المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، إذ سارعت وزارة التربية من خلال تربية حلب باتخاذ قرار بإعفاء المديرة والمعاونة وثلاثة موجهين بسبب الإهمال بمتابعة البيئة المدرسية والطلاب، إضافة إلى توقيف جميع المشتركين في الاعتداء من قبل السلطات القضائية.
ليتساءل متابعون: هل تكفي هذه الإجراءات وتعيد التلميذة إلى وضعها الطبيعي؟!.
وزير التربية الدكتور محمد عامر مارديني وفي اتصال معه أشار إلى ما قامت به مديرية تربية حلب من إعفاءات ومتابعة وضع الطالبة في المشفى والتكفل بنفقات المعالجة، إضافة إلى توجيه دائرة الإرشاد النفسي والاجتماعي في المديرية على زيارة المدرسة والقيام بجلسات توعوية إرشادية للطلاب تتعلق بحلّ المشكلات والحوار والمهارات الحياتية، مؤكداً على أهمية المتابعة المستمرة والمباشرة لواقع المدارس، وتوجيه الإرشاد النفسي والاجتماعي والموجهين لتكثيف جولاتهم في المدارس وإقامة المزيد من الدورات التدريبية للمدرّسين في آلية التعامل مع الطلاب ومعالجة المشكلات.
تقصير وترهل
وحمّل اختصاصيون تربويون إدارات المدارس مسؤولية ما يجري من فوضى وشغب وتنمر واعتداءات بين الطلاب، وخاصة في ظل الترهل الإداري في أغلب المدارس نتيجة تعيين إدارات ليست كفؤة مما يؤثر على حسن سير العملية التربوية.
مدرّسون شكّكوا بصحة اختيارات المعنيين في المدارس، ولاسيما أن هناك مديري مدارس غير جديرين بقيادة العمل التربوي، وأن تأثيره سلبي وغير فعّال في العملية التربوية، معتبرين أن العملية التعليمية هي قضية مجتمعية قبل أن تكون تربوية، متهمين بعض مديري المدارس بالتفرد بالقرارات وإبعاد وتهميش دور الإرشاد النفسي المهمّ في المدرسة.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه -ومن خلال متابعتنا لنشاطات وزارة التربية- تكاد لا تخلو برامجها من ورشات عمل وندوات وبلاغات، مع دورات للتوجيه والتركيز على تفعيل دور الإرشاد النفسي.
أسباب عائلية
يرى اختصاصيون نفسيون أن أهم أسباب ظاهرة العنف هي التربية ضمن المنزل وعدم وجود قواعد وثوابت لتربية سليمة معافاة، ولاسيما عندما تسمح الأسرة لأبنائها بمشاهدة أفلام العنف دون رقيب، لافتين إلى ما أفرزته الأزمة من منعكسات على نفوس الأطفال. وشدّد الاختصاصيون على دور الاختصاصيين والمرشدين النفسيين والتوعية ونشر ثقافة المنطق والعقل وإيجاد صيغة تقارب ومحبة بين جميع الطلبة، مع إشراك الأهل في التوعية وعقد الورشات والندوات والتركيز على دور الأسرة في التربية السليمة والشرح للأبناء عن مخاطر العنف والتصرفات اللا أخلاقية.
وتعتبر الاختصاصية النفسية سلام قاسم أن العنف المدرسي هو سلوك عدواني يتسبّب بحدوث أضرار جسدية أو نفسية أو مادية، مشيرة إلى أن أسباب العنف تعود لأسباب عائلية، كغياب أحد الوالدين بسبب الوفاة أو الطلاق وتدنّي المستوى الاقتصادي والبطالة، ونقص الاحتياجات الماديّة، وانعدام الشعور بالاستقرار نتيجة للخلافات العائليّة المستمرة، واستخدام العقاب الجسدي والقسوة كوسيلة في معاملة الأبناء، وتدنّي المستوى الثقافيّ للأسرة والتمييز في المعاملة بين الأبناء وصفات الطفل الشخصية وترتيبه في الأسرة.
ضعف إدارات المدارس
كما عزت قاسم عدم القدرة على ضبط الطلاب في المدارس إلى ضعف شخصية الإدارة، أو عدم امتلاكها الصلاحية التي تؤهلها لمعاقبة الطالب الذي يخطئ، وعدم القدرة على توجيه المدرّسين بشكل جيد لمراقبة الطلاب ومتابعتهم، وخاصة بعد انتهاء الحصة الدراسية، وبالتالي عدم وجود عدد كافٍ من المشرفين على الطلاب خلال الفرصة، داعية إلى تشميل المناهج بمادة يتمّ التركيز فيها على حقوق الإنسان، لتوعية الطلاب بحقوقهم وحقوق الآخرين، واستحداث مكتبة داخل المدرسة ليمارس الأطفال المطالعة خلال أوقات فراغهم وبين الحصص الدراسيّة، وأخذ جميع شكاوى الطلبة بعين الاعتبار وعدم الاستهانة بأية حالة، وتدريب المعلمين والطلبة والمجتمع على معرفة حالات العنف والقضاء عليها، والمساواة في التعامل بين الأولاد والبنات، وتعزيز ثقة الفتيات بأنفسهنّ، واعتمادهنّ على ذواتهن ووضع قائمة بالسلوكيات الواجب اتباعها داخل البيئة الصفيّة لتوجيه الطلبة، وحثهم على التصرف بطريقة إيجابيّة بما يتوافق مع سياسات المدرسة، إضافة إلى اتباع الأساليب التوجيهيّة التي تُركّز على سلوك الطالب ونتائجه.
مطالبات بالتربية العسكرية
ولم تخفِ قاسم لزوم استخدام أسلوب الترهيب والترغيب والثواب والعقاب بين التلاميذ، من دون ضرب، مع تفعيل دور الاختصاصي النفسي داخل المدرسة.
ومع ضرورة استخدام أسلوب الترهيب والترغيب يكرّر أهالي مطالبتهم في كل لقاء مع “البعث” بعودة مادة التربية العسكرية إلى المناهج لتأخذ دورها الريادي في المحافظة على السلوك الجيد ضمن المدرسة، مشيرين إلى غياب الانضباط في بعض المدارس مع استهتار المدرّسين وغياب المراقبة للطلاب خلال الفرص والانصراف مما يسبب ضرراً وأذى لهم.
وتعتبر وزارة التربية من خلال تعاميمها وقراراتها (الورقية) أن حماية الطلاب من العنف في المدارس أحد الركائز الأساسية في التربية والتعليم، مع إقامة الدورات التدريبية للمعلمين والكوادر التدريسية على بدائل العقاب، والقضاء على العنف في المدارس، مشدّدة على دور الإرشاد النفسي ومتابعة كافة قضايا الطلبة وحلها، فاستخدام العنف بكامل أشكاله مرفوض تماماً داخل المدارس، مهما كان بسيطاً، فهو ممنوع إدارياً وتربوياً، لأن المدرسة هي مكان للتعليم وليست مكاناً لممارسة أي نوع من أنواع العنف، ولاسيما أن رسالة المعلم رسالة تربوية سامية، تهدف إلى بناء شخصية الطالب، طفلاً كان أم يافعاً، بناءً متكاملاً ومتوازناً، فكرياً ونفسياً وجسدياً واجتماعياً.
ختاماً نعود ونؤكد أنه لا بدّ من إعطاء صلاحيات كاملة في تعيين مديري المدارس والموجهين لمديريات التربية كونها الأعلم والأقرب من المرشحين أكثر من الجهات الأخرى التي تشترك في عملية الترشيح والتعيين، وفي بعض الأحيان يكون الاختيار خاطئاً تحكمه مصالح شخصية تتغلّب على المصلحة العامة ومصلحة العملية التربوية.