رأيصحيفة البعث

خديعة الحصان التركي

علي اليوسف 

فجأة ظهر رأس النظام التركي أردوغان كوسيط للسلام – وهو أبعد ما يكون عن ذلك بكثير – في تحرّك يشي بأنه مُجدولٌ منذ تداعيات عملية طوفان الأقصى على الكيان الصهيوني، وكأن هناك تكليفاً أمريكياً له بالدخول على الخط لإنقاذ الكيان، وربما لإنقاذ أمريكا نفسها من جملة المآزق التي لم يعُد لها حلول.

اليوم، يقدّم أردوغان نفسه ضامناً بوعود وتعهّدات سرية، لإخراج “إسرائيل” من الحرب دون أن تظهر عليها الخسارة والتراجع، مقابل  إنقاذ بلاده من الأزمة الاقتصادية وإنقاذ الليرة التركية. ومشروع أردوغان، حسبما توفّر من معلومات، يقضي بأن تقلل المقاومة من مطالبها والاستجابة لـ “لا واقعية” المطالب الإسرائيلية، ومنها إيداع الأسرى الإسرائيليين في عهدة أردوغان، وأن يتم نقلهم عبر معبر رفح إلى تركيا، بحيث تظهر “إسرائيل” على أنها أخرجت قضية الأسرى من أيدي المقاومة، وأنها لم تقدّم تنازلاتٍ، ولكنها ستتعهّد لتركيا سراً بالضمانات التي طلبتها المقاومة.

من الضروري هنا عدم اطمئنان المقاومة لـ “فخ أردوغان”، فالمعارك التي خاضتها المقاومة سجّلت سفراً جديداً في العمل المقاوم، ومن المخيّب جداً أن يسقط هذا السفر في الألاعيب السياسية، لأنه لا ضامن في الكون لأي حقّ إلا ممّن كان صديقك فقط، وليس صديقك وصديق عدوّك، قياساً بما قاله بوتين للإعلامي الأميركي تاكر كارلسون قبل أيام، والأمثلة كثيرة عن الضمانات الكاذبة، ومن أهمّها ضمانات اتفاقات أوسلو التي كانت نتائجها استيطان كل الضفة الغربية.

وعليه، لا يظنَّ أحدٌ أن النظام التركي ضامنٌ، فتركيا دولة ناتو ولها مصالحها، ولو كانت حقيقة تريد إنقاذ غزة لما عرّضت المقاومة للضغوط، بل قامت بإيقاف تصدير النفط والأغذية وتجميد العلاقات التجارية والعسكرية والأمنية مع “إسرائيل”. ومن هنا، لا فضل لتركيا على غزّة التي تقاتل مثل طروادة، بل كل ما هنالك أن المشهد يتجه إلى إسقاطها بالخديعة، أيّ خديعة الحصان التركي.

اليوم السابق لم يكن يوماً كباقي الأيام بالنسبة لرئيس النظام التركي أردوغان، فما الذي جرى وجعل أردوغان يفعل ما فعل؟ على ما يبدو أنه حان الوقت للعودة إلى الحضن الإسرائيلي، بل نراه يسلّم المقاومة إلى المقصلة بعد أن باع كل التزاماته السياسية الكلامية تجاه غزة والقضية الفلسطينية عموماً، في مقابل أن يحافظ على مصالح تركيا، فهو وحزبه الحاكم العدالة والتنمية يسعيان إلى استدراك التراجع الدبلوماسي الذي سجّلته تركيا في السنوات الأخيرة والذي جعلها تفقد أغلبية أصدقائها في المنطقة، فعلى أيّ شيء يراهن أردوغان؟

منذ اندلاع الطوفان في السّابع من تشرين الأول، ومن الأيام الأولى من جولة الصراع الحالية، خرجت تركيا في الشكل عن السياسة المألوفة، ويبدو أنّها كانت الورقة الأخيرة في إعادة تنظيم وترتيب المنطقة، ضمن إطار أوسع، وهو بناء نظام عالمي جديد بوساطة الولايات المتحدة، كما صرّح بذلك، الرئيس الأمريكي، جو بايدن. لذلك إنّ رهان أنقرة الأساسي يتمحور حول مكانتها في حلف الناتو، واحتياج واشنطن والعواصم الأوروبية إليها في هذه المرحلة على الأقل، أي وضع بصمات انتهازيتها السياسية ليس على ملف غزة فقط، بل على القضية الفلسطينية برمتها.