وسطاءُ السلام الغربيون ليسوا نزيهين
عائدة أسعد
تصدّرت الصراعات الروسية-الأوكرانية والعربية – الإسرائيلية جدول أعمال مؤتمر ميونيخ الأمني الستين الذي انعقد في الفترة من 16 إلى 18 من شباط الحالي، ولكن من المستحيل أن يساعد مثل هذا التجمّع في إنهاء الصراعات، والسبب بسيط جداً لأن التجمّع, فضلاً عن كونه شاملاً, ليس تمثيلياً.
وتجدر الإشارة إلى أنه لم تتم حتى دعوة المسؤولين الروس والإيرانيين إلى المؤتمر على الرغم من قاعدة ميونيخ المعلنة من مجلس الأمن القومي: الانخراط والتفاعل مع بعضهم البعض, لا تحاضروا أو تتجاهلوا بعضكم البعض.
ومن ناحية أخرى، مثل أوكرانيا الرئيس فلاديمير زيلينسكي، ووزير الخارجية ديمتري كوليبا، ووزراء حكوميون آخرون وبرلمانيون وممثلون عن مؤسسات أخرى، ولا يزال مجلس الأمن القومي بمنزلة متجر للأحاديث للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي، الذين انحازوا جميعاً إلى جانب أوكرانيا و”إسرائيل”.
إن مثل هذه المحادثة الأحادية الجانب لا تؤدّي إلى إيجاد طريقة لإنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك ببساطة لأنه تم تجاهل الطرف الآخر، كما أن المشكلة الأكبر هي أن أياً من المشاركين لم يناقش الحل من خلال الدبلوماسية والحوار ما هو في الحقيقة السبيل الوحيد لاستعادة السلام الدائم بين الأطراف المتنازعة.
لقد ركّز كل مسؤول كبير من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، على كيفية الاستمرار في تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا حتى تتمكّن من هزيمة روسيا، ومنعوا المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا في ربيع عام 2022، وصبّوا الماء البارد على دعوات وقف إطلاق النار وخطط السلام التي اقترحتها الصين والبرازيل وجنوب إفريقيا والعديد من الدول الأخرى للمساعدة في إنهاء الصراع الروسي الأوكراني.
وقد فعلوا ذلك على الرغم من علمهم التام بأن هذه القضية لا يمكن حلّها في ساحة المعركة، واستمرار القتال لا يعني إلا المزيد من الدمار وإراقة الدماء لكل من الأوكرانيين والروس.
وينطبق الشيء نفسه على الصراع العربي الإسرائيلي، حيث بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين في قطاع غزة منذ بداية العدوان الصهيوني 29195 وفقاً لوزارة الصحة في غزة، وكانت أغلبيتهم من النساء والأطفال، وفي حين ذكر العديد من القادة الغربيين في مؤتمر الشرق الأوسط الرقم 1200 للقتلى الإسرائيليين، لم يصرّح أيّ منهم بالعدد المرتفع للوفيات الفلسطينية، ما يثير القلق، وقال العديد منهم إنهم شعروا “بالرعب من هجوم 7 تشرين الأول”، لكن لم يشعر أحد بالرعب ممّا يحدث في غزة منذ ذلك الحين، وفي الواقع الزعماء الغربيون، بمن في ذلك نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، التي تحدّثت في يوم الافتتاح، لم يجرؤوا حتى على ذكر مَن قتل آلاف الفلسطينيين.
وارتدى السيناتور الأمريكي كريس كونز الرقم 133 خلال كلمته أمام اللجنة، قائلاً إنه عدد الأيام التي أسرت فيها حماس إسرائيليين، ولكن هل سيرتدي في يوم من الأيام رقم عدد الأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية باستخدام العديد من الأسلحة التي زوّدتها بها الولايات المتحدة؟ حيث بلغ العدد أكثر من 12000 وهو في ازدياد.
إن الجميع يعرف من المسؤول عن الفظائع التي تُرتكب في غزة، وخاصة أن الولايات المتحدة استخدمت يوم الثلاثاء الماضي حق النقض (الفيتو) ضد قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في العدوان الإسرائيلي على غزة لأسباب إنسانية، وصوّت 13 من أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر لمصلحة القرار، بينما امتنعت المملكة المتحدة عن التصويت، وكانت هذه هي المرة الثالثة التي تستخدم فيها الولايات المتحدة (الفيتو) ضد دعوة لوقف إطلاق النار.
من المحتمل أن يكون رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو من بين الزعماء الغربيين القلائل الذين قالوا في مؤتمر ميونيخ للأمن: إن “100 طفل يموتون كل يوم في غزة”، وقال لوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني التي كانت تجلس بجواره: “لقد موّلنا الأونروا وسنواصل تمويل الأونروا”، في إشارة إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي تدعم الإغاثة والتنمية البشرية للاجئين الفلسطينيين.
إن إنهاء الصراعات واستعادة السلام الدائم يتطلبان وسطاء سلام صادقين، ولكن أغلب زعماء الغرب أثبتوا مرة أخرى أنهم غير قادرين على الاضطلاع بمثل هذا الدور في مجلس الأمن.