“التحالف الدولي” ومستقبل العراق
ريا خوري
يبدو أنّ العلاقات العراقية ـ الأمريكية على أعتاب مرحلةٍ جديدة، حيث بدأت المباحثات حول مستقبل ما يسمى “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتلك العملية ستساهم في تمهيد الطريق لتحقيق الجدول الزمني الخاص بـ (الخفض التدريجي) لعديد الجيوش الأجنبية المنتشرة في العراق. وكانت الجولة الأولى للحوار الثاني قد انطلقت بين بغداد وواشنطن، حيث تم الاتفاق خلالها على تشكيل مجموعات عمل في سياق (اللجنة العسكرية العليا) التي تعمل على دراسة مستقبل التحالف العسكري في ظل الخطر الذي يشكّله تنظيم (داعش) والقدرات العسكرية التي تتمتع بها قوات الأمن العراقية. فقد تولّت مجموعات العمل صياغة جدول زمني واضح ومحدَّد يحدّد وجود الخبراء والمستشارين من قوات التحالف والبدء بعملية الخفض التدريجي على أرض الواقع. وكانت نائبة المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية، سابرينا سينغ قد قالت: (إنَّ حجم القوات العسكرية في العراق سيكون من أولى مهام النقاش الدائر في هذا الإطار)، كما ستجري لجنة عسكرية أمريكية تقييماً لإعادة تشكيل العلاقة مع المعنيين العراقيين، مبيّنة أنه ليس هناك انسحاب وشيك للقوات الأميركية من الأراضي العراقية.
الجدير بالذكر أنّ عدد الجنود الأميركيين في العراق يتجاوز ألفين وخمسمائة جندي يقومون بدور (المساعدة والمشورة للقوات العراقية) لمنع عودة الإرهاب وتحديداً تنظيم “داعش” حسب الادّعاء الأمريكي، وكان المتحدث باسم الجيش العراقي اللواء “يحيى رسول” قد أكّد ضرورة أن يتضمّن الجدول الزمني عدم عودة “داعش”، مع العلم أنَّ العراق قد شهد أحداثاً متسارعة وخاصة مع بدء الهجوم على السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء في بغداد، والهجوم على قاعدة (البرج 22) الأمريكية القريبة من الحدود السورية ـ الأردنية الذي أدّى إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وجرح ما لا يقل عن أربعين آخرين. تلكما العمليتان ساهمتا في ازدياد حالة الغموض حول مستقبل الأمن في العراق.
تأتي تلك النقاشات الساخنة على وقع تزايد الهجمات النارية المتبادلة شبه اليومية بين فصائل المقاومة العراقية والقوات الأمريكية المتمركزة في سورية والعراق، حتى وصل عدد الهجمات التي طالت القوات الأمريكية نحو مائة وخمسة وستين هجوماً منذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، في السابع من تشرين الأول الماضي، ذلك العدوان الوحشي الصهيوني المدعوم أمريكياً بالدرجة الأولى، ومن دول الغرب الأوروبي بالدرجة الثانية، بكل ما اتسم به من إبادة جماعية. ووجّهت القوات المسلحة اليمنية من جهتها ضرباتها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب لمنع وصول أي سفينة إلى الكيان الصهيوني، اسناداً للمقاومة الفلسطينية وضغطاً من أجل حماية أهالي غزة من بطش الإرهاب الصهيوني.
وقد أمسى الحديث حول مستقبل الحوار الذي بدأت أولى جلساته في العاصمة العراقية بغداد لبحث عملية انسحاب القوات الأمريكية من العراق مثار تساؤل كبير بين الأوساط السياسية، وخاصة في مثل هذه الظروف الساخنة التي تجري في المنطقة. وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد أدان العدوان الأمريكي على سيادة العراق، مؤكداً أنَّ وجود قوات التحالف الدولي على الأراضي العراقية يهدّد الأمن والاستقرار العراقي، وهذا ما دفع القيادة العراقية إلى المطالبة بإنهاء مهمّة التحالف في العراق.
الهجوم الأمريكي الذي أسفر عن استشهاد القيادي بحركة النجباء (مشتاق طالب السعيدي)، إحدى فصائل المقاومة العراقية المنضوية رسمياً تحت لواء فصائل الحشد الشعبي، والقيادي في كتائب (حزب الله) العراقية التابعة للحشد الشعبي، أبو باقر الساعدي، في عدوان أمريكية بالطائرات المسيرة استهدفت سيارة كانت تقله شرقي بغداد، استدرج دعوة مباشرة من مجلس النواب العراقي في العاشر من شهر شباط الجاري إلى إنهاء مهام جميع القوات الأجنبية في البلاد، وإحالة مقترح قانون للحكومة بهذا الشأن.
وكانت القيادة قد طالبت في السابق بإنهاء مهام قوات “التحالف” في أعقاب اغتيال كل من الجنرال قاسم سليماني، و”أبو مهدي المهندس”، على يد الجيش الأمريكي في بغداد، في شهر كانون الثاني عام 2020، وصوّت البرلمان العراقي لمصلحة إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق.
وفي منتصف شهر آب عام 2023، أكّد السوداني أن العراق لم يعُد بحاجة إلى قوات أجنبية على أراضيه رافضاً إقحام العراق في الصراعات والنزاعات الإقليمية والدولية.
لقد ظهرت العديد من القناعات لدى قطاعات واسعة من القيادة والشعب العراقي تؤكد ضرورة إنهاء مهام قوات “التحالف” مع اقتناع البعض بأنّ عودة الحكومة العراقية إلى مفاوضات الانسحاب مع اللجان الأمريكية أصبحت بعيدة عن تحقيق تقدّم تحت وطأة الهجمات الأخيرة، ورافق ذلك تحرك العديد من القوى والأحزاب العراقية للقيام بأعمال تصعيدية على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية واللوجستية ضد وجود قوات التحالف الدولي، على نحو ما دعا إليه السوداني وهادي العامري رئيس منظمة (بدر) وهي شريك أساسي في تنظيم الحشد الشعبي في العراق، وما يُعرَف بتحالف (الإطار التنسيقي) الحاكم الذي يضم تحالف “سائرون للإصلاح، وائتلاف دولة القانون، وائتلاف النصر، وتحالف الفتح، وتيار الحكمة الوطني”، وجميع هؤلاء مدعوون للعمل على إنهاء سريع لوجود قوات التحالف الدولي في العراق، حسبما أفاد به رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي الذي توقّع نتائج كارثية للهجوم الأمريكي، ووصف الولايات المتحدة الأمريكية في بيان صحفي بالدولة المتغطرسة على دول في الشرق الأوسط.
الولايات المتحدة الأمريكية تواجه مشكلةً كبيرة يمكن مقارنتها بما حصل من انسحاب قوات التحالف الدولي من أفغانستان حيث مُنيت بالهزيمة المطلقة بعد احتلال دام أكثر من عشرين عاماً. وصدرت العديد من الأصوات داخل الإدارة الأمريكية توازن بين الربح والخسارة وفقاً للعديد من المعادلات السياسية الدولية، حيث أضحى خروج القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط ضرورياً كي تتمكّن الولايات المتحدة من مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها في أوروبا، وخاصة مع حجم الخسائر الهائلة للقوات الأوكرانية المدعومة أمريكياً وبريطانياً بالدرجة الأولى، وأوروبياً بالدرجة الثانية، وكذلك مواجهة التحديات المتتابعة في جنوب شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي وبمحاذاة جزيرة تايوان، مؤكدة أن على الولايات المتحدة الأمريكية الخروج من الشرق الأوسط بأسرع وقت ممكن، بمجرد انتهاء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، في محاولة منها للحفاظ على ماء وجهها كدولة عظمى تعمل على المحافظة على النظام العالمي وتحديداً في آسيا وأوروبا.