ما أحوجنا إلى محتوى إعلامي هادف يستجيب للخطط والبرامج التنموية والمشاركة المجتمعية بشكل فعّال!
ثمّة نشاطات كان الإعلام محورها خلال الأيام الماضية، أبرزها ورشة عمل حول دور الإعلام في تعزيز التنمية والمشاركة المجتمعية التي نظمتها وزارتا الإعلام والإدارة المحلية والبيئة، وفي اللاذقية كان هناك حوار مفتوح عن الهوية والإعلام والذي جاء ضمن فعاليات اليوم الثاني لملتقى الشباب السوري– الروسي الذي أقيم في اللاذقية، فيما أقيم نشاط ثقافي في مدينة دوما حول الغزو الثقافي والإعلامي وأساليب مواجهته، كلها بلا شكّ نشاطات مهمّة وضرورية تؤكد على الدور المحوري للإعلام بكل أنواعه، لكن ما يهمّنا هنا هو الحديث عن أهمية وجود محتوى إعلامي هادف يستجيب للخطط والبرامج التنموية، ويدعم دور الإعلام التنموي في تعزيز التنمية المستدامة وتحفيز المشاركة المجتمعية، بمعنى تعزيزه بشكل عملي على الأرض.
بالتأكيد الورشة المذكورة ضرورية لتسليط الضوء على هذا الدور، وبحسب المشرفين والمشاركين فيها، فهي تهدف إلى “تنمية وتطوير المهارات الإعلامية المطلوبة لمعرفة عمل الإدارات المحلية ودورها في عملية التنمية، وممارسة الدور الرقابي على أدائها لناحية تحسين الخدمات المقدّمة للمواطنين ومعالجة قضاياهم”.
عدة ملاحظات
بصراحة، عندما نريد الحديث عن دور إعلامنا في المجال التنموي لا بدّ من إثارة عدة ملاحظات، فواقع الحال وبشهادة العديد من الزملاء الإعلاميين يشير إلى أن إعلامنا ما زال خجولاً في تعاطيه مع ما يتعلق بتعزيز التنمية المستدامة والمشاركة المجتمعية، فنحن اليوم نحتاج لخطوات عملية وليس لمجرد محاضرات وورشات عمل رغم أهميتها في شرح وتوضيح ما يخصّ الأنشطة التي تدخل العملية التنموية والاستفادة من الموارد المتاحة وإعادة توظيفها لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وفق ما جاء في مجريات الورشة المذكورة.
الضغط على أصحاب القرار
اليوم، وبعد مضي أكثر من 12 عاماً على الحرب، وأكثر من سنة على الزلزال المدمّر، كان الأمل أن يتمّ التعاطي الإعلامي مع هذه الأزمات والكوارث بطريقة أخرى أكثر فاعلية، لما للإعلام من دور فاعل في المجتمع. لكن، للأسف، من وجهة نظر الخبراء الباحثين في شؤون التنمية، فإن إعلامنا تأخر كثيراً في الحديث بالوقائع والأرقام عن نسب إنجاز الخطط الإغاثية والتعافي وما قامت به بعض المجالس المحلية من مشاريع خدمية في المناطق والأحياء وغير ذلك من أفعال على الأرض بعيداً عن الأقوال والشعارات والخطابات التي لا ترسم أو تعطي صورة حقيقية عن الواقع الخدمي والتنموي.
غياب التكامل!
بعض الزملاء الإعلاميين العاملين في قضايا المحليات، أشاروا إلى وجود حالة من عدم التعاون بين الإعلام ومجالس الإدارة المحلية، وحتى في المؤسّسات الإنتاجية، فيما يتعلق بحجب المعلومة، وسبب ذلك برأيهم يعود لغياب التكامل والتنسيق والتخطيط بين السياسات الإعلامية والاقتصادية والاجتماعية، لجهة إعداد الخطط التنموية وتحقيق أهدافها، ونقص في الإمكانيات، وهذا بالنتيجة يُضعف دور الإعلام التنموي باعتباره الجهاز العصبي لعملية التنمية وقلبها النابض، لذا لا بدّ من دعمه بكل ما يتطلبه لتحقيق أهدافه في تنمية المجتمع المحلي من خلال تمكينه من النقل الموثوق للمعلومات، ولفت انتباه المعنيين للاهتمام بقضايا المجتمع المحلي، عن طريق كشف السلبيات وتعزيز الإيجابيات والارتقاء بها للأفضل، والسؤال هنا: لماذا يغيب مثل هذا التخطيط والتنسيق المسبق بين وسائل إعلامنا وخطط وبرامج المؤسّسات المعنية بالعمل التنموي؟، سؤال نأمل الإجابة عليه من قبل المعنيين بالأمر.
نظري لا عملي
وفي سياق ليس ببعيد عن موضوعنا، انتقد أحد الزملاء الدورات التدريبية للإعلاميين التي تركز على التدريب النظري بعيداً عن العملي، متسائلاً: لماذا لا تكون هناك دورات خاصة تُكسب الصحفيين المتدرّبين مهارات حديثة في تقنية وأساليب الكتابة بما يخدم قضايا التنمية، الاقتصادية والاجتماعية ومختلف جوانبها، وتعزيز معارفهم ومهاراتهم، فيما يخصّ دور الإعلام التقليدي والجديد في دعم جهود التنمية المستدامة؟.
مساند وداعم
لا شكّ في أن الإعلام لا يمكن أن يعزّز دوره في التنمية المستدامة دون ضمان حاجتين أساسيتين، أولهما، الحق في الحصول على المعلومة الصحيحة التي تجعل الصحفي على بيّنة من كلّ الأمور، فنقص وعدم شفافية المعلومات يعتبر من أبرز معوقات الإعلام التنموي، والحاجة الثانية هي إتاحة الفرصة أمام المواطن بالمشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار، وبشكل مباشر من خلال طرح قضاياه عبر وسائل الإعلام، ومساءلة المسيئين والفاسدين والدعوة لمحاسبتهم عبر برامج حوارية تتيح له حرية الرأي والتعبير، وبهكذا يشعر المواطن أنه فاعل وداعم حقيقي لعملية التنمية.
خلاصة القول.. يبقى الإعلام التنموي هو الوسيلة الأنجع في تحقيق الأهداف والخطط التنموية، لذا نحن نحتاج للعمل على بناء منظومة إعلامية تنموية قوية بمحتوى إعلامي هادف وناضج، يعمل بمنهجية دقيقة لها خطة عمل متكاملة، واضحة الأهداف وفق رؤية مستقبلية للوصول بالنتيجة إلى تعزيز وتفعيل دور الإعلام في تحقيق التنمية الشاملة والمشاركة المجتمعية وتوصيل الرسالة على المستوى المحلي والدولي، ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أن الإعلام الجديد وطغيان مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يساعدنا في التركيز على دعم السياسات التنموية بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية ومختلف المجالات الأخرى، ونجزم أن لدينا مؤسسات إعلامية عريقة وكفاءات إعلامية مشهود لها قادرة على صناعة إعلامية تنموية ذات مصداقية تعبّر عن خططنا وأهدافنا التنموية، وأيضاً التعبير عن هموم وشجون وحاجات المواطنين وصولاً إلى بناء القدرات البشرية وتحفيز مؤسسات المجتمع ومساندتها على فهم الاحتياجات والتحديات الحالية والمستقبلية.
غسان فطوم