أخبارصحيفة البعث

جدول الولايات المتحدة للنظام الدولي غير مستقر

تقرير إخباري

غالباً ما يستخدم السياسيون الأمريكيون عبارة “تقويض النظام الدولي” لمهاجمة الدول التي لا تنصاع لأوامر واشنطن. ومع ذلك، تبنّت الولايات المتحدة نهجاً متعجرفاً على نحو متزايد في التعامل مع النظام الدولي القائم، حيث دافعت عما هو في مصلحتها وقلبت الطاولة على غيره، وكان النهج الذي تبنّته واشنطن سواء في الأمم المتحدة أم في منظمة التجارة العالمية، التي تحتاج الآن إلى الإصلاح بشكل عاجل، يشكّل التحدي الأكبر للنظام الدولي القائم. ويتجلّى ذلك في تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 17 شباط الحالي في “مؤتمر ميونيخ للأمن”  2024، حيث قال: “إذا لم تكن على الطاولة فأنت في القائمة”، بمعنى أنه إذا لم تكن ممثلاً على طاولة صنع القرار في النظام الدولي، فسوف تكون في وضع ضعيف.

لقد كان المقصود من ذلك تأكيد أهمية مشاركة الولايات المتحدة بنشاط في تشكيل نظام جديد متعدّد الأطراف، وقد فسّر العديد من المحللين الاستراتيجيين هذا النهج على أنه يستهدف الصين. إن جوهر المسألة ليس من يجلس على الطاولة، بل من الذي سيتحكم بها ويديرها، أي من له الحق في تقرير ترتيب المقاعد على الطاولة. وفي هذه الحالة، يتعيّن على الصين وغيرها من الاقتصادات الناشئة أن تجلس إلى الطاولة التي تحدّدها الولايات المتحدة، وهو ما يعني ضمناً أن البلدان الأخرى غير الولايات المتحدة ليس لها الحق في إعداد الطاولة. ومع ذلك، وفي عالم اليوم المتعدّد الأقطاب في ظل العولمة، فإن حق الاقتصادات الناشئة في المشاركة في وضع الطاولة أمر بالغ الأهمية. وإذا كانت الولايات المتحدة تسيطر على الطاولة بالكامل، وتملي من يستطيع الجلوس عليها ومن لا يستطيع، وأين يجلس، فهذا يعني لعبة محصلتها صِفر. على سبيل المثال، يُظهر اقتراح الرئيس الأمريكي جو بايدن إنشاء تحالف “شيب 4” بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وجزيرة تايوان الصينية استبعاد البرّ الرئيسي الصيني من الطاولة.

ووفقاً لدراسة أجراها المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية على 12 دولة متوسطة الدخل، تتقاسم أهدافاً مشتركة في التنمية الاقتصادية والاستقرار الأمني والاستقلال الاستراتيجي، من الواضح أن الطاولة التي تسعى هذه الدول إلى تحقيقها تختلف عن تلك التي تتخيّلها الولايات المتحدة أو تسعى إلى الحفاظ عليها. إن القاعدة الأكثر أهمية في هذا الجدول هي المساواة بين الجميع، حيث لا تكون الولايات المتحدة دائماً في وضع متفوّق. والقاعدة الأساسية في هذا الجدول هي أن المناقشات لابدّ أن تقوم على إصلاحات النظام التي تعود بالنفع على المصالح المشتركة، وليس فقط مصالح الولايات المتحدة.

إن تطوير النظام السياسي والتجاري والاقتصادي العالمي يتطلب منح المزيد من المكاسب للاقتصادات الناشئة، ويتعيّن على الدول المتقدمة أن تقدّم التنازلات، والصراع على الطاولة يعكس وجهة نظر عالمية. وفي هذا السياق رفضت الصين باستمرار “وجهة النظر التنافسية” لواشنطن لأنها لا تزال قائمة على وضع الهيمنة، بهدف قمع واحتواء وحتى عرقلة التنمية في الصين. وإذا لم تتمكّن واشنطن من منح بعض التنازلات للاقتصادات الناشئة فإن الطاولة التي تحدّدها لا يمكن أن تكون مستقرة.

عناية ناصر