هل تُقرع طبول الحرب وسط أوروبا
ليندا تلي
تخبّطٌ وتناقض شهدهما المؤتمر الذي عُقد بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول إمكانية إرسال قوات خاصة إلى أوكرانيا.
فكرة ماكرون بشأن احتمال إرسال قواتٍ إلى أوكرانيا لم يفهمها حتى حلفاؤه وشركاؤه فكيف بالطرف المقابل؟، بل شكّلت صدمة لهم حيث سارعت قيادة الحلف إلى الإدلاء بسلسلة من التصريحات للنأي بنفسها وحفظ ماء الوجه منكرة أنها تخطط لشيء كهذا، ومؤكدة أنها لا تنوي إرسال أي فرد إلى أوكرانيا.
بملء الفم، أكّد ماكرون أنه لا ينبغي استبعاد أي شيء، وأنه سيفعل كل ما هو ضروري لكي لا تتمكّن روسيا من الفوز في هذه الحرب، وأن كل شيء ممكن إن كان ذلك مفيداً لتحقيق هدفه، معترفاً بأن كثيراً من الناس الذين يقولون لا أبداً اليوم، هم أنفسهم الذين كانوا يقولون لا للدبابات ولا للطائرات ولا للصواريخ الطويلة المدى أبداً قبل عامين، هذا الكلام دعمه وأيّدته تأكيدات مسؤول كبير في مجال الدفاع الأوروبي أنه توجد “قوات خاصة” هناك رغم أنه لم يتم رسمياً الإعلان عن ذلك، لافتاً إلى أن الجميع يعلم هذا جيداً، لكنهم لم يعترفوا به رسمياً.
في غضون ساعتين من تصريح ماكرون انهالت التصريحات من قادة دول الناتو الذين عبّروا عن نأيهم بأنفسهم وتبرّئهم من تصريحات حليفهم ولا يخططون لشيء كهذا، ولن يرسلوا أي جندي إلى ساحة المعركة، حيث اعترف مسؤولون في الحلف لفرانس برس بأنهم والحلفاء قدّموا مساعدة عسكرية غير مسبوقة لأوكرانيا منذ عام 2014 وانتقلوا إلى وتيرة أعلى بعد الغزو الروسي الواسع النطاق وفق وصفهم، ولكن جزموا بأن ليس لديهم خطط لنشر قوات قتالية تابعة للحلف في أوكرانيا.
تصريحات ماكرون أثارت موجة تنديد في صفوف المعارضة الفرنسية على اختلاف أحزابها من اليسار المتطرّف إلى أقصى اليمين مروراً بالاشتراكيين، حيث زعم وزير الخارجية الفرنسي ستفيان سيجورنيه أن وجود أفراد عسكريين غربيين في أوكرانيا لا يعني التواطؤ في الصراع، بدوره قال وزير الدفاع سيباستيان ليكورنو: “ليس هناك حديث عن حرب مع روسيا، وإن الغرب يفكر في كيفية مساعدة سلطات كييف بطريقة أخرى، وهو أمر طبيعي تماماً، ولم يكن هناك حديث عن الدخول في قتال ضد القوات الروسية”.
رجل الأعمال الألماني الفنلندي كيم دوتكوم قال: إن تصريح ماكرون جاء بتحريض من واشنطن، وكتب على شبكة التواصل الاجتماعي X: إن الولايات المتحدة تعتزم بدء حرب جديدة في أوروبا، مضيفاً: إن كلمات ماكرون تدل على أنه تتم حالياً مناقشة موضوع إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا على المستوى الرسمي، وطبعاً لم يكن ماكرون ليدلي بمثل هذا التصريح الخطير وحده وإن هناك حرباً أمريكية بالوكالة تنتظر وسط أوروبا ضد روسيا، في حين قال المستشار الألماني أولاف شولتس لن ترسل الدول الأوروبية ولا دول حلف شمال الأطلسي قواتٍ برية إلى أوكرانيا.
بدوره صاحب الشأن الذي عُقد الاجتماع كرمى دعمه ومدّه بالعديد والعتاد فلاديمير زيلينسكي، قال لقناة تلفزيونية فرنسية: إن أوكرانيا تناقش مع فرنسا إمكانية تسليم مقاتلات ميراج للجانب الأوكراني، بينما حث سفير أوكرانيا لدى فرنسا فاديم أوملشينكو، في مقابلة مع صحيفة Point، على عدم تصديق الشائعات حول احتمال نقل مقاتلات من طراز Mirage 2000D إلى كييف.
وسائل إعلام عالمية وذات باع في السياسة أكّدت أن فرنسا تدرّب منذ شهر ونصف الشهر 30 طياراً أوكرانياً على استخدام طائرات “ميراج 2000” التي هي عبارة عن قاذفة قنابل متعدّدة المهام صمّمتها شركة داسو للطيران التي دخلت الخدمة عام 1984 ويمكنها أداء مهام جو-جو وجو-أرض، بالإضافة إلى القيام بأدوار الاستطلاع والضربات النووية، وتشغل القوات الجوية الفرنسية حالياً حوالي 99 طائرة “ميراج 2000” بنسخ مختلفة، في حين أن هناك 40 أخرى في الخدمة مع البحرية الفرنسية.
رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن قالت: قد يتم تسليم أولى مقاتلات من طراز “إف-16” لأوكرانيا في الربيع المقبل ووفقاً لها، فقط الأسباب الفنية تعيق ذلك حالياً، في حين أكّد البيت الأبيض أنه لا يعتزم إرسال قوات برية، ولكنه حث المشرّعين الأمريكيين على الموافقة على مشروع قانون متعثر لتقديم مساعدات أمنية تضمن حصول القوات الأوكرانية على الأسلحة والذخائر لمواصلة القتال.
وتعقيباً على نيّة فرنسا إعادة شراء 40 مقاتلة من طراز “ميراج 2000-9” ونقلها إلى أوكرانيا قال الخبير العسكري الروسي ألكسندر بارتوش: من غير الواضح ما هي نسخ “ميراج”، لكن بالتأكيد ليس من أحدثها، وفي هذه الحالة سيكون التفوق للطائرات الروسية من حيث القدرة على المناورة ومدى كشف الأهداف والتسليح، وأضاف: “يمكننا إسقاط ميراج بعيداً عن مجال الرؤية، على بعد عشرات الكيلومترات”، مشيراً إلى أن “طيارينا على علم بخصائص خوض المعارك الجوية مع النسخ القديمة من تلك الطائرات” التي يصعب قيادتها، وليس لدى الأوكرانيين من طيارين جاهزين لقيادتها، بينما يستغرق التدريب لهذه المهمّة أكثر من عام.
على الضفة الأخرى سخرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا من تصريحات ماكرون الذي ينطق بلسان سيّده الأمريكي، حيث أرجعت السبب وفق ما يتم تداوله في الغرب، إلى أنه في ظروف التوقف المؤقت للمساعدات المالية من واشنطن، فإن ماكرون قرّر تقديم بعض المساعدة الإعلامية والسياسية إلى البيت الأبيض، من أجل استثمار شيء ما على الأقل في دعم نظام كييف.
في نهاية المطاف، لا ريب أن ماكرون لا يتحدّث من تلقاء نفسه، فحكماً هو يتحدّث بلسان البيت الأبيض الذي يواجه صعوباتٍ واعتراضاتٍ جمّة إثر التدفقات المالية التي غذّى بها نظام كييف ضارباً عرض الحائط بمصالح شعبه الذي أدرك مؤخراً سياسة رئيسه الحمقاء التي كبّدته خسائر بمليارات الدولارات، فهل سنرى توافقاً ناتوي أوروبي للنأي بالنفس، وخاصة بعد تحذيرات الكرملين من أن إرسال قوات إلى أوكرانيا لن يكون من مصلحة الغرب.