“سانسيت بوليفارد” في النادي السينمائي
ملده شويكاني
“هذا القصر الكئيب يشبه المرأة العجوز برواية الآمال الكبيرة”، هذا ما قاله “جو غيليس ـ ويليام هولدن” بطل فيلم “سانسيت بوليفارد” حينما اعتقد للوهلة الأولى أن القصر الكبير الذي تبدو عليه علائم القدم ولجأ إليه، هرباً من مطاردة الدائنين له قصر مهجور، ليتضح أنه قصر نجمة الأفلام الصامتة “نورما ديزموند ـ غلوريا سوانسون” التي أفل نجمها وأصبحت حبيسة القصر تحلم بالعودة إلى التمثيل.
الفيلم الذي صدر عام 1950 بالأبيض والأسود، إخراج “بيلي وايلدر” ومشاركته كتابة السيناريو مع “تشارلز براكيت”، وضع في المرتبة الثانية عشرة في قائمة معهد الفيلم الأمريكي لمئة فيلم، عُرض في جلسة النادي السينمائي في سينما الكيندي بالتعاون بين مؤسسة أحفاد عشتار والمؤسسة العامة للسينما بإشراف المخرج والكاتب وليم عبد الله.
دور السارد
منذ اللحظات الأولى شدّ الفيلم المشاهدين إلى ذاك الزمن البعيد بكل ما يمت إلى عصره من ديكورات وسيارات وأزياء واتصالات، بأسلوب روائي سينمائي، إذ يأخذ البطل “جو” دور السارد، فيروي الأحداث بصوته في المشاهد الصامتة حيناً و يقتحم الحوارات في أحايين، ما جعل الفيلم يمضي بمشاهده من صفحة إلى أخرى بتشويق ارتبط مع جمالية الصورة البصرية، ولاسيما مرور الكاميرا في ممرات وغرف القصر الكبيرة وتوقفها عند التفاصيل الصغيرة مثل البيانو والشموع واللوحات والتماثيل والمفروشات التي تدل على الثراء.
بناء روائي
يبنى السيناريو على تركيبة الشخصية وإظهار سماتها وصفاتها ووصف المحيط بها ابتداء من الشخصية الرئيسة “نورما”، ومن ثم “جو” كاتب السيناريو المغمور الذي يحاول الحصول على فرصة، والذي وصل إلى مرحلة اليأس بعد عجزه عن تسديد الديون، فيقرر مغادرة “هوليوود” والعودة إلى مدينته، لكن الأقدار جمعته بـ”نورما” حينما طلبت منه تعديل سيناريو الفيلم الذي أمضت سنوات في كتابته، والذي ستعود من خلاله إلى التمثيل وإلى مجدها القديم والوقوف أمام الكاميرا.
الشخصية المحرّكة
تدخل الشخصية الثالثة شخصية “ماكس” الخادم الذي يتضح في نهاية الفيلم بأنه كان المحرّك للأحداث باعترافه لـ”جو” في نهاية الفيلم بأنه الزوج الأول لـ”نورما” التي تزوجت ثلاث مرات وكان مخرج أفلامها الأولى وبعد أن حققت الشهرة انفصلت عنه، فشعر بأن الحياة لا تطاق من دونها، فتخلى عن كل شيء من أجلها وترك عمله بالإخراج وأصبح خادماً لها يعيش معها بالقصر.
وتتضح، لاحقاً، مفارقات تحصل قبل مجيء “جو” إلى القصر وبعد إقامته بالقصر مع “نورما”، التي أغرمت به وأغدقت عليه الهدايا والأموال ليعيش معها ويعيد إليها الإحساس بالحياة وبالماضي.
ويظهر المخرج التغييرات ابتداء من حمام السباحة الذي كان مكاناً للجرذان وكيف أصبح براقاً ممتلئاً بالمياه، ومن السيارة الفارهة المركونة بالمرآب لتعود بأفضل صورة يتجول بها جو ونورما بقيادة ماكس.
فالانتينو والتانغو
تعيش “نورما” بشخصية الماضي، فما تزال تعتقد بأنها نجمة سينمائية ولديها معجبون يطلبون صورها والتوقيع عليها، وبأنها ستعود نجمة أمام الكاميرا، فتجبر “جو” على التكيف مع حياتها بمتابعة أفلامها بشاشة سينما القصر، فيقول في أحد المشاهد “ممثلون أشبه بتماثيل الشمع”، وفي سهرة رأس السنة تحيط بذراعيه على موسيقا رقصة التانغو، مستحضرة ذكرياتها الجميلة “فالانتينو رقص التانغو في هذا القصر”.
قصة حب متداخلة
ينبهر “جو” بحياة الثراء، لكنه سرعان ما يملّ من أجواء “نورما” الكئيبة، فيحاول المغادرة، لكن “نورما” تقدم على الانتحار، وينقذها “ماكس” باللحظة الأخيرة، فيعود “جو” شفقة عليها، ومن ثم يعيش قصة حب مع الشابة “بيتي” التي تقنعه بكتابة سيناريو من قصته يحوّل إلى فيلم، في الوقت الذي تحاول فيه “نورما” كل المحاولات بالرياضة والتجميل والمعالجات الجسدية لكي تبدو أصغر سناً.
تتصاعد الأحداث برفض المخرج العمل مع “نورما” وبمواجهة “جو” لها بأنها انتهت، وبأن “ماكس” يرسل رسائل المعجبين إليها، كما ينهي “جو” علاقتة بحبيبته بعد تدخل “نورما”.
مفاجأة المخرج
الفاصل بالفيلم هو قرار “جو” مغادرة القصر والابتعاد عن “نورما”، وترك كل الهدايا والعودة إلى ذاته وحياته البسيطة، ليأت المشهد الحزين والمؤثر بإطلاق “نورما” الرصاص على “جو” وهو يغادر وسقوطه بحمام السباحة ليتحول حمام السباحة إلى بركة دم.
وفي المشهد الأخير ينفذ “ماكس” رغبة “نورما” التي تبقى صامتة تحت تأثير الصدمة محاطة بالشرطة بإقناعها بأنها تصوّر، ويجب أن تنزل مثل الأميرة على الدرج.
من الصامتة إلى الناطقة
وبعد العرض، تحدث المخرج والكاتب وليم عبد الله عن تاريخ السينما، ومرحلة الانتقال من الأفلام الصامتة إلى الأفلام الناطقة وما خلفته من تغييرات أثرت على حياة النجوم، مشيراً إلى جمالية حضور السارد بالفيلم “جو” حتى بعد موته إذ بقي يسرد الأحداث “سينتشلوني برفق مثل حوت أصابته حربة”.
ثم ناقش مع الجمهور الخلل النفسي الذي أصاب “نورما” بعدما تخلت عنها النجومية، ما جعلها ضحية حبّ التملك، وهذا ما بدا بعلاقتها مع “جو”.
وكانت شخصية “جو” موضع اختلاف بين المثالية في مواضع والمادية ليدفع حياته ثمناً لوجوده في مكان ليس له، ونوّه عبد الله بأن قصة الفيلم تنسحب على أي زمن بوجود أنثى ثرية ترتبط بشاب بسيط يصغرها سناً وتبقى النتائج سلبية.
شخصية “ماكس” أيضاً كانت موضع اختلاف بين مفهوم التعلق المرضي والتضحية من أجل الحب.