إنزال بحجم الإذلال
علي اليوسف
تزداد سوريالية المشهد الكارثي في غزة يوماً بعد يوم، لكن أن تسقط الولايات المتحدة الأمريكية – أعظم دولة في العالم! – مساعدات غذائية من الجو فهذا يحوّل المشهد البائس إلى تراجيديا مضحكة، إذ ما معنى أن يلجأ بايدن لإسقاط المواد الغذائية من الجو، بدلاً من استخدام قوة بلاده وعظمتها لممارسة ضغوط على حكومة نتنياهو – كما يقال – للسماح بتسليم المساعدات عبر القنوات التقليدية بشكلها الإنساني، بدلاً من هذه الطريقة الاستعراضية المخجلة التي توحي بأن غزة مقطوعة عن العالم ومقطوعة من أية حلول!
كان الأجدى بسيد البيت الأبيض أن يتعامل مع الأزمة الإنسانية في غزة من باب السادة الكبار، وليس من باب الحركات المذلة لبلاده بالدرجة الأولى، وللمحتاجين بالدرجة الثانية، وأن يتم فتح المعابر الحدودية والسماح لقوافل الشاحنات بالدخول وإتمام عمليات التوصيل بشكل آمن.
لكن على ما يبدو أن بايدن بات عاجزاً، أو، بمعنى آخر، بات أسير اللوبي الصهيوني، وأسير نتنياهو وحكومته المتطرفة تحديداً، لدرجة أنه يعرّض الولايات المتحدة لأسوأ إذلال من قبل “إسرائيل”. وهو ما دفع روبرت فورد، الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة في سورية والجزائر، للكتابة على منصة “إكس”: “رأيت إسرائيل تهين الإدارات الأمريكية السابقة، لكن بصرف النظر عن الغارة الجوية الإسرائيلية القاتلة عام 1967 ضد سفينة البحرية الأمريكية ليبرتي، فإن الولايات المتحدة تُجبر الآن على القيام بإنزال جوي للمساعدات على غزة، كما لو أنها ليست أفضل من مصر والأردن، ويعدّ أسوأ إذلال إسرائيلي للولايات المتحدة الأمريكية شهدته في حياتي، ويجب أن أضيف أن الولايات المتحدة ستقوم بإسقاط المساعدات الإنسانية جواً لسكان غزة إذا وافقت القوات الجوية الإسرائيلية بكل لطف على عدم إسقاط الطائرات الأمريكية فوق غزة”.
هذا السياسي يدرك ما يقوله، فهو يعي كلماته ويعي ما يقصد إليه، وتحديداً عبارة أن الولايات المتحدة ليست أفضل من مصر والأردن، ليس بأي معنى معنوي، لأنه كان من المفترض أن تكون للولايات المتحدة علاقات أكبر وأوثق مع “إسرائيل” من العلاقات بين “إسرائيل” والأردن أو مصر. ومع ذلك، ليس لواشنطن تأثير أكبر من تأثير القاهرة أو عمان على تصرفات “إسرائيل” في المجال الإنساني في غزة.
حتى وإن كانت عمليات الإنزال الجوي منطقية لوجستياً في بعض الحالات، كتلبية الاحتياجات العاجلة للمستشفيات، على سبيل المثال، لكن لا ينبغي أن تكون الوسيلة الرئيسية لإطعام سكان غزة الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة بهذه الطريقة. فالحل ليس بإسقاط المواد الغذائية جواً على قطاع غزة، بل عبر فتح المعابر وإدخال القوافل والمساعدات الطبية إلى القطاع المحاصر بعيداً عن مسرحية الإنزال الجوي التي لا تفيد إلا بتغذية الفوضى على الأرض، وعدم ضمان من يحصل عليها ومن لا يحصل عليها، ولا ضمان أين سينتهي الأمر. فالاستجابة الأفضل للوضع الإنساني بالقطاع، تبقى فتح المزيد من المعابر، والسماح للشاحنات بالدخول، والقيام بذلك بطريقة منظمة، والسماح للأمم المتحدة والوكالات الأخرى بالقيام بالتوزيع.