الانتخابات… نحو بناء رأسمال اجتماعي إيجابي للحزب ولسورية
د. أمجد حامد السعود
يبدو أن الوقت قد حان لإعطاء البُعد الوطني للحزب أهمية لا تقلّ أبداً عن البُعد القومي بمبادئه الراسخة والمتجذرة في وجدان قواعدنا الحزبية، خصوصاً فيما يتعلق بحقوقنا العربية المغتصبة. وفي هذا الإطار، يمكن القول بأن بعثنا العظيم لم يبخل في دعم أي جهد في سبيل الحفاظ على الحقوق العربية، وفي بناء رأس مال اجتماعي قومي إيجابي للحزب نلمسه وبقوة في-منظومات القيم- المرتبطة بتلك المبادئ وفي -منظومة الشبكات- على مستوى علاقة الحزب بالشعوب العربية والمؤسسات السياسية العربية ذات الطابع القومي.
هذا النفس القومي لا يمكن التخلي عنه كهوية اتسم بها الحزب منذ تأسيسه، بل جاء بزخم قدمت من خلاله سورية تضحيات كبيرةا نطلاقاً من مبادئ وهوية الحزب القومية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا في بال كثير من الرفاق خصوصاً حديثي التاريخ النضالي البعثي، والمتصفحين لتاريخ النضال الحزبي منذ تأسيسه قراءةً واطلاعاً، هل كان من الصواب بمكان أن يتم تغليب البعد القومي في عمل الحزب وديناميكيته على البعد الوطني؟
من الطبيعي في أي عمل حزبي مؤسساتي أن يكون متوازناً نوعاً ما على مستوى استراتيجيات العمل بين الداخل والخارج، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن كل مرحلة زمنية ومنطقة جغرافية لها مقتضياتها وظروفها التي تتحدد من خلالها أولويات العمل الحزبي والسياسي. وحزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب جماهيري يحمل هموم وقضايا الشعوب العربية على عاتقه، وسيبقى بجيناته القومية، ولا بد من الاستمرار في هذا النهج لأنه هوية البعث، ولكن مقتضيات وظروف المرحلة الراهنة تقتضي أيضاً إيلاء البعد الوطني أولوية رئيسة لا تقلّ أهمية في العمل الحزبي، وهذا يتطلب تكثيف الجهود في سبيل إعادة النظر في رأس المال الاجتماعي للحزب ببعده الوطني، وهذا ما أكد عليه الرفيق الأمين العام للحزب لجهة القدرة، نعم نحن قادرون ولكن لا بد أن نمتلك الإرادة نحو التغيير الإيجابي خصوصاً لما يتعلق بمسؤولية الحزب تجاه المجتمع الذي يعاني من مفرزات الحرب الإرهابية الشرسة التي أنهكت بناءه الاجتماعي، وأحدثت خللاً في منظومتي القيم والمؤسسات بشكل كبير، ولا شك في أن الحزب هو مؤسسة من مؤسسات المجتمع يؤثر ويتأثر به.
يمكن القول أن التغيرات المتسارعة التي تطرأ على المجتمعات الآن تتطلب مرونة وانسيابية على مستوى التعاطي مع مجريات الواقع الحالي محلياً وعربياً ودولياً، فالبدء بإحداث تغيير بنيوي في الحزب أصبح ضرورة ملحة، فلن ينتظرنا أحد وأهل البيت هم المعنيون الرئيسيون بإدارة شؤون الداخل أولاً وأخيراً، والتحديث والتطوير على مستوى العمل السياسي الحزبي مرتبط ارتباط وثيق بالتغير الاجتماعي الذي هو قدر محتوم لأي مجتمع، وما يعيشه حزب البعث اليوم من حراك على مستوى الانتخابات الحزبية هو جزء من عملية التحديث والتطوير والنهضة بالحزب والمجتمع ككل.
كثير من أفراد المجتمع السوري يراقبون مجريات الانتخابات الحزبية التي يعيشها الحزب في اللحظة الراهنة، وهذا أمر طبيعي انطلاقاً من حداثة التجربة على مستوى الحزب، ومن صعوبة الظروف الحياتية بمستوياتها كافة، والتي يمرّ بها جلّ المجتمع السوري المنتظر لحلّ سحري وتبدلّ قيادات حزبية أو تشكيلات وزارية أو انتخابات برلمانية …إلخ تُفضي إلى إحداث التغيير النوعي سواءً على مستوى الحزب بشكل خاص، وحياة المجتمع السوري بشكل عام. وهنا لابدّ من التأكيد على أن الانتخابات ما هي إلا خطوة أولى على طريق التغيير والتطوير الذي يحتاج إلى رؤية وإستراتيجية عمل منظمة طويلة الأمد واضحة الأهداف والمعالم، فالانتخابات كظاهرة في ميدان البحث والدراسة في علم الاجتماع السياسي تتكون من ثلاثة عناصر رئيسة: (ناخب – منتخَب – منافسة وحملات انتخابية ترتبط بالرأي العام) والسؤال هنا أين نحن في عملية الانتخابات الحزبية الجارية حالياً من هذه العناصر الرئيسة تلك ؟؟
إذا ما تطرقنا إلى العنصر الأول من عناصر العملية الانتخابية (الناخب) فقد يتبادر إلى الأذهان تساؤلات كثيرة من أبزها: هل تتمتع الشخصية البعثية حالياً بجاهزية لفهم واستيعاب الثقافة الانتخابية وعوامل نجاحها؟ على اعتبار أن أي عملية انتخابات هي تجسيد لعملية المشاركة السياسية التي من الضروري (في الوضع الطبيعي) أن تسبقها تنشئة سياسية سليمة كأحد دوائر التنشئة التي تقبع داخل بوتقة الدائرة الكبرى، وهي التنشئة الاجتماعية بمنافذها المختلفة الأسرة – المؤسسات التعليمية – المؤسسات الإعلامية – المؤسسات الدينية…إلخ، ولكن من الضروري هنا أن لا ننسى بأن إعادة بناء رأس مال اجتماعي بعثي – مجتمعي إيجابي- أصبح أمر ضروري وملحّ، فإحداث التغيير النوعي والمنشود من عملية الانتخابات قد لا تتناسب مع طبيعة التغيرات الاجتماعية التي قد تأخذ (علمياً وعملياً) عقود طويلة على مستوى التحقق، وبالتالي نحن مضطرون في ظل الظروف الراهنة أن لا ننتظر، وأن يكتسب الناخب لآليات ممارسة دوره الانتخابي بشكل إيجابي وفاعل من خلال عملية هي أقرب للتعلم بالممارسة حالياً، ولا ضير في هذا إذا ما سار ذلك بمسار موازي لعمليات تغير اجتماعي إيجابي على المستويات كافة.
أما على مستوى العنصر الثاني (المنتخَب) كثيرون يترقبون صدور أسماء الناجحين بدوافع مختلفة، وهنا ينبغي الإشارة إلى أن عقلية (الاسم) أو (اللقب) أو (المنصب) هي عقلية مجحفة بحق الناخب والمنتخب معاً، فمهما كان الشخص يتمتع بمواصفات وكاريزما (الشخص المناسب في المكان المناسب) هو غير قادر على إحداث التغيير الاستراتيجي المنشود إذا لم تكن هناك رؤية وإستراتيجية عمل سابقة على توليه مقاليد المنصب أياً كان، وفي أي مستوى قيادي. ومن الملحوظ أنه مهما اختلفت الأسماء، ومهما تبدلت الألقاب نحن مازلنا في عقلية العمل الارتجالي، وهنا نقطة الاختلاف التي قد تميّز الغرب فيها الذي يعمل وفق استراتيجيات، ورؤى طويلة الأمد واضحة المعالم والأهداف، وهذا نلمسه على مستوى أكثر الدول تجربةً لعملية الانتخابات سواء الحزبية أو البرلمانية أو حتى الرئاسية التي تشهد تنافساً شرساً بين المرشحين من الحزب الواحد قد يصل في بعض الأحيان إلى حالة الصراع من أجل إقناع الأغلبية، والحصول على إرضاء الناخبين، ولكن سرعان ما ينتهي هذا التنافس بصدور النتائج، ويصبح الجميع خلف الفائز، ومساند له في عمله المرتبط بإستراتيجية وعناوين رئيسة لا يمكن الخروج عنها، بل يتم تنفيذها بآليات مختلفة على مستوى القرار التنفيذي الأمر الذي يجعلنا نمتلك (تيرمومتر) التقييم ومعرفة مواطن الخلل في عمل المسؤول سواءً على مستوى وضع الاستراتيجيات، والرؤى العامة المرتبطة بالحزب الحاكم أو على مستوى تجسيد تلك الرؤى والاستراتيجيات من قبل السلطة التنفيذية في مؤسسات الدولة.
وهذا يحيلنا بطبيعة الحال إلى العنصر الثالث، وهو الحملات الانتخابية أو المنافسة، التي قد تتخذ طابعاً خاصاً إذا ما كانت محصورة ضمن حزب ورفاق يحملون ذات الأيديولوجيا، كيف ستكون طبيعة هذه المنافسة على مستوى الرفاق المرشحين؟ ما هي محدداتها؟ هل هي منافسة براغماتية إيجابية أم براغماتية سلبية؟ هل ستلعب الانتماءات الاجتماعية الضيقة دوراً إيجابياً أم سلبياً في ترجيح كفة أحد الرفاق عن غيره؟ هل سيعزز هذا حالة الصراع داخل بنية الحزب أم أن سيكون تعزيز إيجابي لمنظومة القيم ضمن رأسمال اجتماعي بعثي إيجابي؟؟ من المؤكد بأن الإجابة عن تلك التساؤلات مؤجلة إلى حين انتهاء عملية الانتخابات ودخولها معرض التقييم سواء بالسلب أو الإيجاب.
قد يبدو الأمر معقداً ببدايته وحمّال لأوجه وملابسات كثيرة، فهذه هي التجربة الأولى سيكون لها ما لها وعليها ما عليها، كلّ ذلك حالة طبيعية نظراً لحداثة التجربة، ولكن الأهم وهو ما أكد عليه الرفيق الأمين العام للحزب، أننا بدأنا طريقنا نحو التغيير لإعادة بناء رأسمال اجتماعي بعثي ومجتمعي إيجابي لمستقبل حزبنا العظيم بشكل خاص، وسورية ككل بشكل عام.