بشير بشير يوظّف كل ما يمكن تخيّله في “ألف ليلة وليلة”
ملده شويكاني
مكر مفر مقبل مدبر معاً
كجلمود صخر حطّه السيل من علِ
كما وصف امرؤ القيس حصانه، رسمه الفنان بشير بشير ليتوسط لوحاته بحركته السريعة بوقع حوافره وصهيله المتعالي، فكان الحصان الجامح الذي يسابق الريح حيناً، ويمضي وحيداً هادئاً في حين آخر عبْر سلسلة من اللوحات، حمل فيها رسالته برمزيته للقوة وأصالة تاريخنا العربي وتراثنا، ويقترب من المعنى القريب بلوحاته الدالة على المقاومة بوجود دلالات الرمح والفارس والخوذة في معرضه الفردي المعنوّن بـ”ألف ليلة وليلة”، والذي افتتح في صالة الشعب برعاية وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح وبالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين.
ويأتي هذا المعرض بعد معارض كثيرة محلية وعربية، ليشغل الرقم الثالث والثلاثين في تجربته الفنية.
الحصان الحامل الأساس
وعلى الرغم من أن الحصان كان الحامل الأساس في اللوحة، لكنه تكامل مع الصياغات التشكيلية والحروفية لمكونات اللوحة بأسلوب تجريدي وبمواد مختلفة موظّفاً الحرف العربي كعنصر من عناصر اللوحة يتصف بجماليته الانسيابية ضمن التكوين، بالإضافة إلى الخط الأسود العريض وتأثيرات الخطوط السوداء الدقيقة التي تشدّ المتلقي إلى مواضع أخرى. فبُنيت اللوحة بتكامل جسد الحصان مع الأشكال الهندسية للمربعات الكبيرة والمستطيلات والدائرة التي وظّفها بتجزيء اللوحة بتشكيلات تجريدية صغيرة تخفي ملامح أنثى حاضرة، وأقواساً تشير بانحناءاتها إلى العمارة القديمة، وكائنات حيوانية ونباتية مع التركيز على حروفياته المتناثرة على سطح اللوحة، وخاصة حرف الضاد الذي تكرّر في إشارة إلى لغة الضاد التي توحّد العرب في أرجاء الكرة الأرضية، وحرف النون بدلالاته على الانتصار، بالإضافة إلى النقطتين المشيرتين إلى بداية الخلق والوجود.
البرتقالي والزهري
وتوازنت أقسام اللوحة ضمن مساحات التلوين، واشتغل على الأرضية بشكل خاص من خلال تكوينات صغيرة بدت شبه منحوتات، للشجرة بشكل خاص. والملفت هو الألوان المتوهجة البراقة التي أضفت روح التفاؤل على اللوحة، ولاسيما البرتقالي والزهري الذي امتد على جسد الحصان في لوحات عدة، بالإضافة إلى ألوانه المعتادة بين الأحمر والأزرق ودرجات الأخضر بشكل خاص.
الفارس والرمح والحمامة
ولعلّ اللوحة التي توسّطت أحد جدران صالة الشعب وكتب بالخط الأسود “قصص وحكايات” على الحصان الزهري الذي يمتطيه الفارس المغوار، مشهراً رمحه وتحطّ على كتفه حمامة السلام البيضاء التي تلطخت بالأحمر وبمسحات ترابية إيماءة إلى المقاومة، هي الأجمل والأقرب، ولاسيما أن الصورة اتضحت أكثر بجموع الشخوص الذين شغلوا أماكنهم خلف الحصان يحيط بهم السواد اختزالاً لمعاناتهم من التهجير والحرب والاعتداء، أما حصانه الهادئ فكان مطرقاً حزيناً على خلفية الأزرق.
لنستشفّ في نهاية التجوال بالمعرض أن “ألف ليلة وليلة” العنوان المقتبس لم يشبه حكايات شهرزاد لشهريار بتفاصيلها ولا بمعناها الحرفي، إنما استقى منها روح الحياة والاستمرارية والصمود والحب، فدمج بين الأدب والتراث والبيئة والمكان وروح الحياة والاحتواء العاطفي والواقع وكثير من الذاتية.
إضافات جديدة
توقفت “البعث” مع الفنان غسان غانم أمين السر العام لاتحاد الفنانين التشكيليين في سورية، فتحدث عن معرض بشير بشير الذي افتتح المعارض لهذا العام، مشيراً إلى أن المعرض متميز يمتّ بصلة إلى خصوصية الحروفيات ضمن التشكيل والألوان، وقدّم فيه عناصر جديدة بالإضافة إلى عناصره السابقة.
أما المهندسة مها محفوظ رئيسة فرع دمشق لاتحاد الفنانين التشكيليين فتحدثت عن اختلاف هذا المعرض بإدخال الحصان إلى عناصره المتمثلة بالحروفيات والتشكيليات بشكل ينسجم مع اللوحة ضمن زخارف وأشكال متنوعة منسجمة مع خلفية اللوحة وأرضيتها، برمزيته إلى القوة والإقدام بالإضافة إلى الحمامة رمز السلام إشارة إلى صمود غزة.
توثيق لتجربته
ورأت الفنانة ربا قرقوط المواكبة لتجربته أنه في كل معرض توجد نقلة نوعية بلوحاته على الرغم من أن الروح واحدة والأسلوب واحد، وتميّز هذا المعرض بطرح الحصان الذي يشير إلى فكرة ما في كل لوحة، ففي زاوية منه توثيق لحياته الخاصة ولأسفاره ولمراحل تجربته الفنية والنجاح الذي حققه، وقد خدمه اللون الأزرق بإغناء الأعمال، وكذلك الأسود، والعناصر مدروسة بدقة.
اختلاف بالتفاصيل
وقال الفنان علي جروان إن المعرض يحمل الحروفيات والتشكيلات ووظّف الحصان، محاولاً الولوج إلى أعماق ألف ليلة وليلة، بتجربة جديدة نفذها من خلال هذه الأعمال التي بدت مختلفة عن الأعمال السابقة باختلاف بعض العناصر والخطوط وتقاطعات مساحات الألوان، لنقول: إنها تجربة خاصة تقوده إلى شيء قادم. وتقاطع رأي الفنان معتز العمري مع جروان، إذ قال إن المعرض تجربة جديدة للفنان، وظّف تفاصيلها بدقة.
تراكمات ومشاهدات
وختاماً مع الفنان بشير بشير: “معرض ألف ليلة وليلة تراكم لحكايات وقصص من الحياة التي نعيشها بمحاولة تكوين لوحات مختلفة عن أعمالي السابقة، تحمل الكثير من المآسي ومن مقاومة غزة، ومن المشاعر والذكريات، بوجود الحرف العربي الذي يعكس لغتنا، والنقطة التي هي بداية الكون، العنصر المنظوم ضمن اللوحة هو الحركة النشطة المتفاعلة مع البناء الإسلامي والتراث، فقمتُ بتوظيف كل العناصر التي من الممكن أن يتخيلها المتلقي”.