في اليوم الثّاني لـ”أيام الثقافة الفلسطينية” قصص من الوجع والذّاكرة
ملده شويكاني
“محكيات الواقع الفلسطيني من الكثافة ومن الرهافة ومن التعقيد ما يحتاجه المبدع ليفصّل في كل جزء”، هذا ما قاله الناقد أحمد هلال في اليوم الثاني من أيام الثقافة الفلسطينية التي أقامتها “أكاديمية دار الثقافة الفلسطينية” الممثلة بالدكتور حسن حميد في المركز الثقافي الروسي، احتفاءً بذكرى ميلاد الشاعر الفلسطيني محمود درويش، فعكست صور المقاومة والتوءَمة بين سورية وفلسطين.
وخصص اليوم الثاني للقصة، إذ قدم هلال لمحة عن خصوصية هذا الفنّ لكل مشارك، وتنوعت أساليب السرد الدائرة حول المخيم وصمود غزة، بين الحبّ والحرب، بين الواقعية والرمزية المعبّرة عن الوجع الفلسطيني وتفاصيل الذاكرة الفلسطينية، ومراحل القضية الفلسطينية الممتدة طيلة خمسة وسبعين عاماً، باختلاف بناء القصة على صوت السارد والشخوص والحواريات الصغيرة والوصف، وباختلاف تأثيرها وطولها، إذ بدا بعضها أقرب إلى فسحة الرواية، أيضاً باختلاف المستويات اللغوية والروح الأدبية وفنّ الإلقاء والتمكن من اللغة العربية، كما أقحم بعضهم اقتباسات محكية من اللهجة المحكية الشامية والفلسطينية في متن السرد، واتسمت كلها بالقفلة الحزينة المؤثرة التي تعكس ما نتابعه في نشرات الأخبار.
والملفت هو حضور الأطفال الأكثر ضرراً في هذه الحرب، لتلتقي جميع القصص بنقطة الارتباط بالمكان وعدم مغادرة غزة وتحقيق ما يرمي إليه العدو الصهيوني.
الشاشة الزرقاء
بدأ محمد حسين بقصة “خبر عاجل” الدائرة في قلب الحدث في غزة داخل المخيم، فمضت بصوت السارد الهادئ بوصف الشاشة الزرقاء المزدحمة بالأخبار العاجلة أخبار الشهادة والدمار، وبوصف المخيم الذي غدا مدينة أشباح بعد الحرب والحصار، ومن ثم دارت حوارات بين الشخصيتين الرئيستين “محمد” و”جبل” ثم يصل إلى ذروة الحدث بالانفجار الذي أحدثه الصهاينة في مخيم جباليا المكتظ بالمهجرين، وتنتهي القصة باستشهاد أطفال محمد تحت الأنقاض، وموت أفراد من عائلة جبل، لينقل الخبر العاجل: “في حرب الثلاثين من تشرين الأول.. نبشركم لا توجد إصابات بالمشفى الأندونيسي، كلهم شهداء، أربعمئة شهيد من مخيم جباليا، ننتظر أخباركم، لكننا صامدون”.
المقاومة في غزة
أما نادية إبراهيم فبدأت بوصف الخيمة الممزقة في أحد مخيمات غزة في قصتها “مغامرة مجنونة” التي اتصفت بالدمج بين السرد وتعدد الأصوات، فمن الوصف إلى الشخصية الرئيسة، فتحدثت بصوت “وردة” التي انتظرت حبيبها “وهدان” سنوات وسنوات يوم كان في سجن عسقلان، ومن ثم قررت مغادرة الخيمة والذهاب لتفقد بيتها بعد القصف، تاركة والدها المقعد، فتتغير لغة السرد باللهجة الفلسطينية “ما ذنبي يابا إذا كان نداء القلب أعلى من صوت تحذيراتك”، لكنها تتعرض لكمين بعد رؤيتها منزلها وقد تهاوى على الأرض، بقدوم غواصي الاحتلال إسرائيليين يحاولان اقتحام أسوار جسدها، ولاسيما بعد أن عرفا بأنها حبيبة “وهدان” المطلوب، لكن مقاومتها كانت أكبر حينما تدخل القدر “لمع فجأة ضوء أحمر في المكان وانفجر صوت قوي حوّل جسديهما إلى أشلاء ممزقة، تطايرت إلى أماكن بعيدة، بينما ظلت نظرات وردة من دون أن تدري تمتد نحو أمواج البحر، لتستقبل طيف وهدان”.
الحرب الإرهابية على سورية
وفي قصة رسلان عودة المؤثرة “القبلة الأولى” قصة حب تنتهي بمأساة تتناول الحرب الإرهابية على سورية التي هدمت المخيم، يقول: “فرقتنا الدروب وجمعتنا المقاصد، منّا من هام في بلدات الريف الدمشقي، ومنّا من دفنه البحر بلا شاهدة، أو رثى على شطآن اللجوء”، فمضت أحداثها بين الحب والشتات والعودة، ليكتشف السارد الحبيب الممرض وهو مريض السكري بأن حبيبته مصابة إثر انفجار، “هو يعلم أن المنافِس على قلتها مشغولة كلها”، فينقذها بأنفاسه ليموت “هل نجح الحب وسقطت الحرب”.
التطبيع مع العدو
أما سوسن رضوان فقدمت لقصتها “حدث في جنوب القلب” بسرد مطوّل يشبه المقالة عن الجرائم المنكرة على أرض غزة، ثم قصّت برمزية وقائع تطبيع بعض الدول مع كيان العدو الصّهيوني، “نحن لا نخاف الموت وسنبقى في بلدنا وعلى ترابنا، هبّ بعضهم غيارى لنجدتها، والبعض الآخر كان قد أرخى السمع للشيطان فدسّ السم في خناجرهم وبنادقهم، ففاض الخذلان كطوفان”.
العالم وغزة
وقدم عماد نداف قصة افتراضية تتسم بدرامية تصويرية تشدّ المتلقي لتخيّل أحداثها الواقعة في الميكرو بعنوان “الكابتن”، فبدأ بوصف ساحة الانتظار “أصوات الأطفال تترامى وكأنها صخب وعبث بلا معنى” ليصل إلى المرأة التي صعدت إلى الميكرو، واحتمت به من الرجل المجنون الذي صعد وطعنها على مرآى من الجميع، ولم يستطع أحد أن ينقذها “سحب الرجل جسد المرأة ورماه على الأرض قرب الميكرو وبقيتُ وحدي مذهولاً” برمزية إلى تخاذل العالم إزاء جريمة الإبادة في غزة.
وتساءلت سوزان الصعبي في قصتها “فصل من جحيم” كيف تحولت الصفحة البيضاء إلى ألوان في الحارة التي يمثل أولادها جنازة الشهيد “والشهيد حبيب الله”.
العلاقات الروسية – الفلسطينية
وتحدّث الدكتور حسن حميد عن استمرار أيام الثقافة الفلسطينية احتفاء بميلاد الشاعر محمود درويش في الثالث عشر من آذار بعد عيد الفطر المبارك بإقامة نشاطات متعددة، وشكر مدير المركز الروسي السيد “نيكولا سيرخوف” على استضافة أيام الثقافة الفلسطينية، مشيداً بالعلاقات الروسية – الفلسطينية والعلاقات السورية – الفلسطينية، ثم كرّم مع أعضاء الأكاديمية مدير المركز الروسي “سيرخوف”، وأهداه الفنان الفلسطيني الكبير محمد الركوعي لوحة من لوحاته التي تؤكد على حق العودة.
روسيا متعددة الثقافات
كما عبّر “سيرخوف” عن سعادته بالتكريم ونوّه بنجاح أيام الثقافة الفلسطينية وجمالية الشعر والقصص، وتحدث عن روسيا البلد الغني بتعدد الثقافات واللغات والأديان والقوميات، وتابع بأنهم مستمرون بالخطة الثقافية مرحّباً بكل النشاطات الأدبية والثقافية والسياسية والفنية الإيجابية في قاعات المركز.