مع اقتراب شهر الخير.. حركة الأسواق لا تبشر بموائد رمضانية عامرة!
في العام الماضي كما كلّ عام، فاقت عزيمة السوريين كلّ التوقعات، فعلى الرغم من الوضع المعيشي القاسي حضّر السوريون لشهر الخير وبكميات قليلة، وتمكّنوا من أن يعيشوا الطقوس الرمضانية ضمن الحدود الدنيا.
هذا العام تشهد الأسواق تراجعاً ملموساً بسبب ضعف القدرة الشرائية مقارنة بارتفاع الأسعار الذي شهدته الخضار والفواكه وباقي المواد الغذائية الأخرى، فكيف الأمر ونحن على أعتاب شهر رمضان الذي تعود الناس فيه على التحضير له لاستقباله كما يليق به كضيف كريم ينتظرون مجيئه كلّ عام، فهل سيكون لخير هذا الشهر أثر في قلوب التّجار الجشعين الذين صاروا عبيد النقود، وهل سيكون للجهات المعنية دور في تخفيف معاناة الناس من خلال ضبط الأسواق؟!.
الحلقة الأضعف
يقول أبو أحمد “بائع خضار”: اعتدنا أن تحلّق أسعار الخضراوات عالياً مع قدوم شهر رمضان المبارك، ولا يعدّ هذا استغلالاً من المزارع للشهر، لأنه يعدّ الحلقة الأضعف في هذه السلسلة، وإنما يقوم التّجار بتحميل نفقات إضافية ربما ابتدعوها وليست موجودة على الأرض استغلالاً للطلب المتزايد على الخضار، وغيرها من المواد الغذائية المطلوبة على مائدة رمضان كالبقوليات والحلويات واللحوم بأنواعها.
واشتكى أبو علاء “صاحب بقالية” في أحد الأحياء الشعبية المترامية على أطراف دمشق، من حالة الركود وتراجع القوة الشرائية، حيث وصل الحال بالناس إلى أن يشتروا “بالحبة فقط” من كل نوع من الخضراوات عدا عن الفواكه التي باتت لا تقارب وفق كلامه، مشيراً إلى أن الناس كانت سابقاً توفر مبلغاً معيناً لمصاريف الشهر الكريم، لكنها اليوم عاجزة عن ذلك، فهي “يا دوب” تؤمّن مصروف قوتها اليومي.
صنف واحد
وفي جولة على الأسواق أجمعت الآراء على أن السوريين يشعرون بالحيرة حول ما سيأكلونه على الإفطار، لأن كلّ شيء ثمنه مرتفع والدخل محدود، وحسب قول الغالبية منهم أن موائدهم الرمضانية ستقتصر على صنف واحد أو اثنين فقط، بسبب الغلاء الفاحش الذي طال كلّ شيء وجعل الغالبية العظمى من السوريين تحت وطأة الأزمة المعيشية الخانقة.
الأقل منذ 50 عاماً
الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية يرى أن حركة الأسواق هذا العام قبل أيام من حلول شهر رمضان، مقارنة بالعام الماضي هي أبطأ وأضيق؛ وبمستوى (أقل كمية) و(أقل تنوّعاً) و(أدنى نوعية) وفيما يخصّ حجم الطلب العام على كل أنواع السلع أكد أنه سيكون أقل من حجم الطلب في السنة أو السنوات السابقة، بل الأقل منذ ٥٠ سنة (على الأقل)، وبرأيه أن ذلك سينطبق حتماً على الطلب الفردي والعائلي لـ(90%) من عدد السكان، موضحاً أن انخفاض حجم الطلب العام والخاص سيكون على كل أنواع السلع المطلوبة على موائد الشهر الفضيل، كما أنه سينخفض حجم الطلب العائلي الخاص لهؤلاء الـ(90%) بنسبة تتراوح بين (10%) و(100%) أي ما بين الانخفاض البسيط إلى حدّ الإقلاع التام (أو الاستغناء المؤقت) عن اقتناء بعض أنواع السلع.
لن ينخفض!
وبيّن فضلية أن ما سيحصل بالنسبة للطلب الفردي العائلي إما الاستمرار بشراء كل أنواع السلع ولكن بكميات أقل، وإما الاستغناء نهائياً عن بعض أنواع السلع (التي تدخل في السلة الغذائية الرمضانية بما فيها سلع العيد) مقابل الإبقاء على المطلوب من السلع الأخرى أو بعضها، أما بالنسبة لحجم العرض بالمقارنة مع حجمه اليوم (وكونه منخفضاً أصلاً بالمقارنة مع الفترات السابقة) فلن ينخفض خلال الفترة القادمة المدروسة؛ بل سيرتفع (بنسبة ما) وخاصة ما يتعلّق بالسلع مثل الخضار والفاكهة والحلويات والعصائر والمكسرات و(سلع العيد) المتمثلة باللحوم والذبائح الحيّة والألبسة والأحذية ومختلف مستلزمات الضيافة.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن انخفاض حجم الطلب الخاص العائلي لن يكون بالنسبة لكل سلعة (كما الأمر غالباً) بنسبة انخفاض القوة الشرائية نفسها أو نسبة انخفاض الدخل الحقيقي، بل بنسبة أكبر لأن حجم السلة الغذائية الرمضانية وفي فترة العيد وتنوّع وعدد مكوّناتها تكون في رمضان أكبر وأكثر، حيث سينخفض الطلب على بعض مكوّناتها بنسبة بسيطة وبنسبة أكبر من نسبة انخفاض الدخل لبعض السلع الأخرى وبنسبة مطلقة (أي: الصفر.. أو الاستغناء) عن سلع معينة (مثل الموز على سبيل المثال).
أسباب الارتفاع
أما بالنسبة للأسعار وارتفاعها قبيل وخلال رمضان والعيد، يؤكد فضلية بأنها سترتفع لسببين، الأول سبب طبيعي وهو (الطلب والضرورة الاستثنائية لاستهلاكها)، والسبب الثاني غير مبرّر وغير موضوعي يتمثل باستغلال هذه الحالة من التجار والبائعين في السوق، فهؤلاء يرفعون الأسعار بنسبة استغلالية أكبر من النسبة المنطقية التي تفرضها زيادة الطلب؛ وهذه الحالة الاستغلالية ممكنة عموماً لأسباب ندرة أو قلة أو حجب بعض أنواع السلع (الشديدة والاستثنائية الطلب)؛ ولسبب آخر هو استغلال شدة الحاجة والشعور بمستوى عالٍ جداً من المنفعة والفائدة لدى المستهلك الصائم الذي ما كان ليدفع سعرها العالي الاستغلالي لو لم يكن صائماً.. وينطبق هذا خصوصاً على المشروبات والعصائر والحلويات، حيث تكون قيمتها الاستعمالية والحاجة النفسية لدى الصائم كبيرة، فيقبل أن يدفع مقابلها سعراً أعلى من السعر في الأحوال العادية خارج فترة الصوم، وهنا وفي إطار هذه السلوكيات الاستغلالية للتجار والبائعين يجب أن تقوم الجهات الرقابية ذات الصلة بتفعيل دورها وجهودها..
وفي كل الأحوال، وبحسب فضلية، فإن نسب ارتفاع أو رفع الأسعار في هذه الفترة والفترة القريبة القادمة لن تكون عالية على معظم أنواع السلع.. لأن مستوى الأسعار عالٍ أصلاً ولأن القدرة الشرائية منخفضة كثيراً، وبالتالي فإن المبالغة برفع الأسعار ستؤدّي حتماً إلى تراجع الطلب بشدة ولا مصلحة للتاجر والبائع والمنتج بذلك.
ليندا تلي