الاستراتيجيات البيئية العالمية قاصرة
هناء شروف
الاستراتيجيات البيئية العالمية قاصرة، ولكن هناك حلول تبعث على الأمل، فقد تم اعتماد أكثر من 1400 اتفاقية بيئية متعدّدة الأطراف على مدى السنوات الخمسين الماضية، وهناك المزيد في طور الإعداد خلال هذه الفترة الزمنية، وشهدنا أيضاً العديد من المؤتمرات والاجتماعات ومؤتمرات القمة العالمية.
نظراً لهذه الموجة من النشاط الدولي لا بد أن تكون بيئتنا في حالة جيدة، لكنها ليست كذلك بل إنها عكس ذلك تماماً.
في السنوات الأخيرة رسم أفضل العلماء في العالم صورة قاتمة لبيئة متدهورة. تكشف التقارير الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ والمنصة الحكومية الدولية المعنية بالتنوّع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية وغيرها، الكثير عن أزمات متعدّدة بما في ذلك فقدان التنوّع البيولوجي وتغيّر المناخ وتدهور الأراضي والتلوّث البلاستيكي وانخفاض جودة الهواء والماء، وكلها عوامل تجعل كوكبنا مكاناً غير صحي بشكل متزايد للناس والحياة البرية.
فهل أحدثت كل هذه الاجتماعات ومئات الاتفاقيات البيئية المتعدّدة الأطراف فرقاً كبيراً في حالة كوكبنا؟ هل ساعدت في تعزيز قضية البيئة أو التنمية المستدامة؟.
هناك اتفاقية دولية بشأن الأراضي الرطبة منذ عام 1972، ومع ذلك فُقد ما يقرب من 35 بالمائة من الأراضي الرطبة في العالم بين عامي 1970 و2015. ولدينا اتفاقية بشأن الأنواع المهاجرة منذ عام 1979، ومع ذلك فإن 44 بالمائة من الأنواع المدرجة تشهد انخفاضاً في أعدادها. لقد فشلنا في تحقيق أهداف التنوّع البيولوجي المتفق عليها عالمياً لعامي 2010 و2020، حيث أصبح الآن أكثر من مليون نوع معرضاً لخطر الانقراض، ونحن لسنا على المسار الصحيح لتحقيق أهدافنا المناخية المتفق عليها عالمياً.
نعم نحن بحاجة إلى اتفاقيات دولية ومؤتمرات قمّة عالمية واستراتيجيات وأهداف لكن لها حدودها. ولا يمكن قياس نجاحهم بعدد ما لدينا بل بمدى تأثيرهم فيما يحدث على الأرض. ويمكن للاتفاقات الدولية أن تكون بمنزلة حافز للخطط والتشريعات والإجراءات الوطنية، ومن الممكن أن تخلق تأثيراً إيجابياً متسلسلاً على المستوى الوطني وأن تعزّز التعاون عبر الحدود، كما رأينا بدرجات متفاوتة مع الاتفاقيات التي تتناول التنوّع البيولوجي وتغيّر المناخ والتلوّث البحري واستنفاد الأوزون وحركة النفايات عبر الحدود وتجارة الحياة البرية.
ولكن لا تزال هناك حاجة إلى المزيد، فعلى سبيل المثال في العام الماضي وفي أعقاب جائحة كوفيد-19، وافقت جمعية الصحة العالمية على إنشاء معاهدة أو صك يركّز على الوقاية من الأوبئة والتأهّب والاستجابة لها. ترتبط قضية الأوبئة ارتباطاً وثيقاً بكيفية تعاملنا مع الطبيعة وصحة الحيوان ورفاهيته، وهي مرشح مثالي لاستجابة عالمية منسقة.
ولكن من الواضح أننا مقصّرون في تنفيذ القوانين الدولية والاستراتيجيات العالمية وتمويلها التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإيجاد سبل إبداعية لتشجيع الامتثال للالتزامات الدولية بشكل أفضل.
من الصعب التوفيق بين الالتزامات الدولية والعلوم الناشئة، إلى جانب توقعات المجتمع المتغيّرة عبر الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. والآن أكثر من أي وقت مضى نحتاج إلى مؤسسة عالمية قوية تُعنى بالبيئة، مؤسسة قادرة على قياس الكيفية التي نعمل بها على تقليل أو تفاقم تأثيرنا على البيئة العالمية لرسم الصورة الكاملة للمساعدة في توجيه استجابتنا الجماعية.
وإدراكاً لحقيقة أن معالجة التحدّيات البيئية العالمية تتطلب جهداً متعدّد الأطراف، فقد تم إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 1972 بتفويض طموح. وبينما تم إحراز تقدم بحلول مطلع القرن كان هناك اتفاق عام على أن نظام الإدارة البيئية الدولية كان يفشل في تحقيق التوقعات، وبعد عملية شاملة في عام 2013 أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة جمعية الأمم المتحدة للبيئة باعتبارها أول هيئة فرعية تابعة للأمم المتحدة في العالم ذات عضوية عالمية (أي جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة).
القانون الدولي ليس ثابتاً بل هو مستمر في التطوّر، واليوم نرى قوانين دولية جديدة مهمة يتم إنشاؤها أو مناقشتها في العديد من المنتديات الدولية، وهذا جزء من نهج مستمر ومتطوّر لمواجهة التحدّيات البيئية العالمية من خلال النظام المتعدّد الأطراف. وفي حين أن لدينا العديد من الاتفاقيات الدولية الجيدة الصياغة أو قيد التنفيذ لمعالجة التحدّيات البيئية وتحديات الاستدامة الأكثر إلحاحاً، فإننا بحاجة إلى التزام متجدّد بالتنفيذ والتمويل الدولي والوطني اللازم لتمكينه وتفويض رسمي من مركز الثقل العالمي لرصد التقدم وتعزيز الامتثال.
واليوم، يقدّم لنا العلم بشكل لا لُبس فيه حقيقة الضرر البيئي الذي نلحقه بكوكبنا، وإذا بقينا على المسار نفسه على مدى السنوات الخمسين المقبلة فإن التشخيص يبدو قاتماً على أقل تقدير.
هذا وقت حاسم بالنسبة للبيئة وصحة كوكبنا. لقد حان الوقت لكي يتقدّم برنامج الأمم المتحدة للبيئة وجمعية الأمم المتحدة للبيئة، وأن يكونا أكثر طموحاً وتأثيراً ليصبحا السلطتين البيئيتين العالميتين اللتين صمّمتا من أجلهما.
ليست كل الأخبار سيئة على مدار الخمسين عاماً الماضية، فقد قمنا بشكل جماعي بتطوير مجموعة شاملة من السياسات والقوانين الدولية والوطنية. تستمرّ مجموعة القوانين هذه في التطوّر مدعومة بقاعدة علمية قوية ومتطوّرة. ولم تكن هذه الجهود بالسرعة الكافية أو بالفعالية الكافية أو بالتمويل الكافي، ولكن على الرغم من كل أوجه القصور هذه فإننا أصبحنا في وضع أفضل اليوم بسببها، كما أنه يعكس كيف كانت البشرية تسعى جاهدة باستمرار لإيجاد السبل والوسائل للاستجابة بشكل أفضل للتهديدات البيئية التي تهدّد صحة كوكبنا لتحقيق التعايش المتناغم.
هناك بصيص من الأمل. هناك حلول وقد اعتمد إطار كونمينج-مونتريال العالمي للتنوّع البيولوجي مجموعة جريئة من أهداف التنوّع البيولوجي حتى عام 2030 ويجري نشر الحلول الطبيعية والتكنولوجية الإبداعية على نحو متزايد لتحقيق الأهداف المتفق عليها وتظهر صناديق جديدة ومصادر تمويل مبتكرة.
يخبرنا العلم أن الوقت لم يفُت بعد بشرط أن نغيّر المسار، ولن يكون الأمر سهلاً ولكن لا يوجد خيار آخر، وإذا بذلنا ما يكفي من الجهد وعملنا معاً من أجل قضية مشتركة قد ننجح.