الحرب النفسية أشدّ فتكاً
تقرير إخباري
أحد جوانب العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة الذي تم تجاهله إلى حدّ كبير من وسائل الإعلام الغربية الرئيسية، هو الحرب النفسية المتطورة للغاية التي يتم شنّها ضد الشعب الفلسطيني. ومجرّد إلقاء نظرة فاحصة على بعض العناصر الأكثر غرابة في الاستراتيجية الإسرائيلية يكشف الخطوط العريضة لخطة تهدف بوضوح إلى إلحاق أقصى قدر من الضرر النفسي بضحاياها.
على سبيل المثال، عندما تطلب “إسرائيل” بشكل متواصل أن يغادر المدنيون مدينة معيّنة في وقت معين، وفي كل مرة يتبع هذا الطلب بوقت قصير غارات جوية على المدنيين الفارين، فإن ذلك يشير إلى سياسة رسمية. الأمر نفسه ينسحب على القتل العشوائي للمدنيين على يد القناصة الإسرائيليين، أو “القصف العشوائي” للمنازل والمستشفيات ومخيمات اللاجئين، أو التصريحات العدوانية المفرطة للقادة السياسيين أو المذبحة الجماعية للمدنيين الذين كانوا يجمعون الطعام بشكل سلمي من شاحنات المساعدات الإنسانية.
ما يمكن قوله أن هذه الأمور ليس لها أي قيمة تكتيكية واضحة، لكن فعاليتها لا يمكن قياسها إلا من حيث كيفية مساعدتها “لإسرائيل” في تحقيق هدفها الاستراتيجي الشامل، وهو طرد السكان العرب بالكامل من قراهم ومدنهم.
وللأسف، يبدو أن الاستراتيجية تعمل بشكل جيد، حيث إن أغلبية السكان العرب مقتنعون الآن بأنه “لا يوجد مكان آمن”. وهذه الاستراتيجية هي حجر الزاوية الذي طوّرت عليه “إسرائيل” خطة معركتها النفسية، للقضاء على أي شعور بالأمن الشخصي وإثارة مشاعر القلق والارتباك واليأس.
وهذه العقلية لم تظهر بين عشية وضحاها، بل هي نتيجة لخطة شريرة تم وضعها بدقة شديدة لإلحاق أقصى قدر من الضرر النفسي بمليوني شخص حتى يكون من الأسهل طردهم من وطنهم التاريخي، وهذا هو الهدف الأساسي للعدوان: التطهير العرقي.
باختصار، يهدف العدوان المتكرّر إلى الترويع والصدمة أكثر من القتل، وقادة الكيان المحتل يتعمّدون ترويع الفلسطينيين لدفعهم إلى التوجّه إلى مصر بمجرد اختراق الجدار، وهذا هو الهدف الحقيقي للحرب النفسية التي يشنّها العدو.
هنا تجدر الإشارة إلى أن الأضرار النفسية الناجمة عن العدوان الحالي لن تختفي مع انتهاء الأعمال العدائية، بل سيقضي العديد من هؤلاء الأشخاص بقية حياتهم في محاربة شياطينهم في جحيم خلقته “إسرائيل”.
وبالنسبة “لإسرائيل”، فإن طرد الفلسطينيين من غزة ليس كافياً بكل بساطة، بل تريد التأكد من أن ضحاياها يتحمّلون سنواتٍ من المعاناة النفسية المؤلمة حتى يوم وفاتهم. ويمكن القول: إن المجازر الإسرائيلية الحالية تفوق بكثير أيّ مجزرة ارتكبت في الماضي، ذلك أنه بكل المقاصد والأغراض، دمّرت “إسرائيل” حياة كل رجل وامرأة وطفل في غزة، وخلّفت لديهم جروحاً غير مرئية لن تلتئم أبداً، وسوف تغرق شعباً بأكمله في عالم من القلق المزمن والاكتئاب واليأس، وهي والغرب الداعم لها المسؤولون عن معاناة الشعب الفلسطيني المتواصلة منذ أكثر من سبعين عاماً.
هيفاء علي