جلسة عصف فكري مع وزير الشؤون الاجتماعية بعد تكليف وزارته بتفعيل “شبكات الحماية الاجتماعية”
حسن النابلسي
رغم إفصاح وزير الشؤون الاجتماعية والعمل لؤي المنجد عن معلومة بالغة الأهمية “بتكليف وزارته رسمياً البدء بهيكلة وتفعيل شبكات الحماية الاجتماعية”، لم يعط المنجد أية توضيحات حول الخطوات التي بُدِءَ بها بهذا الاتجاه، ولم يفلح الزملاء خلال جلستهم معه – والتي امتدت لأكثر من ساعتين – باختراق حرص الوزير والبوح بما اشتغلت عليه الوزارة مع شركائها في هذا الملف الإستراتيجي، إذ اكتفى بالقول: “تعمل الوزارة منذ ستة أشهر بلا كلل أو ملل لطرح حلّ متكامل لا نندم عليه كوزارة”!
بدا واضحاً أن وزير الشؤون الاجتماعية والعمل كان يصبو من هذا اللقاء لاستمزاج آراء الإعلاميين الاقتصاديين والاستفادة منها لإنجاح مشروع لم ينكر أنه تم التأخر به، فبعد افتتاحه الجلسة بلمحة تاريخية عن برامج الدعم الحالية، والمعتمدة منذ عام 1958، فتح الوزير الحوار بأسئلة عدة أبرزها:
هل حققت برامج الدعم الحالية خلال عقود من الزمن أهدافها؟ وهل حلت الإشكالات التي خُصص لها “تريليونات الليرات”؟ والأهم هل وصل الدعم إلى مستحقيه فعلاً؟
كان ثمة إجماع واضح على أن هذه البرامج كانت صالحة في وقت امتد إلى سبعينيات القرن الماضي، وتحديداً إلى العام 1978، وفقاً لتأكيدات الوزير، في رده على مداخلة لـ “البعث” حول التأخر بمعالجة ما انتاب هذه البرامج من خلل، وبالتالي كان من الأجدى المعالجة منذ البداية والاستعاضة عن هذه البرامج بـ “شبكات الحماية الاجتماعية” التي تستهدف بالأساس الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، ليوضح المنجد أنه، منذ عام 1987 وحتى بداية التسعينيات، بدأت الضغوطات على سورية وسياسات الحصار بالإضافة إلى ارتفاع عدد السكان، ما أثر بالتالي على منظومة الدعم، لتبدأ لاحقاً فترة الانفتاح التدريجي والتي كانت “ضبابية نوعاً ما” حتى عام 2005، واعتماد اقتصاد السوق الاجتماعي الذي اعتبر المنجد أن تطبيقه “ظُلم” في سورية، علماً أنه أفضل ما يمكن تطبيقه بالنسبة لبلد مثل سورية.
لعلّ أبرز أسباب ما أصاب منظومة الدعم من خلل هو أنها بنيت على أساس خاطئ، يستهدف قطاعات وليس فئات، فمثلاً – وفقاً للمنجد – الحكومة تدعم القطاع العام الصناعي بغية استفادة العمال، في حين أن هذه الفئة بواقع الأمر لم تستفد من هذا الدعم، وكذلك الأمر بالنسبة للقطاع الزراعي، فالفلاح يشكو أيضاً من عدم الاستفادة من هذا الدعم، مشيراً إلى وجوب أن يكون الهدف من دعم القطاع الزراعي هو زيادة حجم الصادرات، كما هو حاصل في روسيا التي تدعم تصدير الكافيار – رغم أنه سلعة كمالية بامتياز – وكذلك فرنسا التي تدعم تصدير الجبنة.
أدت هذه الفكرة للحديث حول ضرورة دراسة مخرجات الدعم، وأن الحكومة لم تعنى بهذا الجانب، وإنما ركزت على معالجة عجز الموازنة العامة للدولة من خلال الرفع التدريجي للدعم في ظل معطيات وإحصائيات غير دقيقة، والمضي باتجاه عتبات ربحية بدليل رفعها لأسعار حوامل الطاقة، ليشير بعض الزملاء إلى أن السمة الحالية لعلاقة الحكومة سواء مع المواطن أم لقطاع الأعمال هي عدم الثقة، ليؤكد زميل آخر أن 5.1% هي الأسر الآمنة غذائياً في سورية وذلك بموجب مسح الأمن الغذائي الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء، عام 2020، و55% نسبة الأسر التي تعاني من انعدام أو متوسط شديد في الأمن الغذائي، والباقي هم ضمن الطبقة الهشة.
إثر احتدام النقاش وزج العديد من الأفكار، طرح الوزير سؤالاً بدا واضحاً أنه يعنيه كثيراً فيما تشتغل عليه الوزارة في ملف شبكات الحماية الاجتماعية، ومفاده: هل يتقبل المجتمع استهداف الشريحة الأكثر هشاشة، في حال اعتماد معايير شفافة ومنطقية؟ ليأتي الجواب الذي طلب الوزير من أحد كوادر وزارته أن يسجله حرفياً: “استهداف شرائح عدة شعبوياً بنسب مختلفة أفضل بكثير من استهداف شريحة واحدة فقط”.