أوركسترا وكورال الموسيقا العربية “صلحي الوادي” يتألقان في مسرح الأوبرا
أمينة عباس
لم تكن الأمسية الموسيقية الغنائية التي أحيتها، مؤخراً، أوركسترا وكورال الموسيقا العربية لمعهد صلحي الوادي على خشبة مسرح الأوبرا إلا تتويجاً للجهود التي تُبذل منذ سنوات من قبل قائد الفرقة المايسترو مهدي المهدي وإدارة المعهد المتمثلة بالأستاذ بريام سويد مدير مديرية التأهيل الفني ومعهد صلحي الوادي، ليقف موسيقيوها على مسرح دار الأوبرا في أول حفل مستقل احترافيّ لها، وقد استقبلها الجمهور بكلّ فرح وتشجيع، معلناً ولادة أوركسترا تتكوّن في معظمها من طلاب وخريجي معهد صلحي الوادي، بالإضافة إلى العازفين المحبين للغناء.
وبيَّن بريام سويد في تصريحه لـ”البعث” أن الأوركسترا كانت تأسّست على يد المايسترو عدنان فتح الله عام 2008 ويعمل المايسترو مهدي المهدي منذ عام 2019 على إعادة إحيائها، وكانت لها مشاركات عديدة على هامش بعض المناسبات والفعاليات، آخرها معرض الكتاب في مكتبة الأسد العام الماضي، ليكون هذا الحفل حفلها الخاص الأول، موضحاً أن برنامج الحفل كان من توزيع وإعداد المايسترو المهدي، وكان هو من مرّن الأوركسترا والكورال ضمن ظروف صعبة، لكن بالإصرار والرغبة الحقيقية كان هذا الحفل المتميز الذي كان الهدف منه تقديم ما هو أفضل، مع تأكيده أن الوقوف على مسرح الأوبرا ليس بالأمر السهل على أطفال ويافعين، شاكراً وزارة الثقافة على رعاية الحفل ودار الأسد للثقافة والفنون التي احتضنه، متمنياً أن يُكرّس يومٌ في السنة أو فصل دراسي لفرق الوزارة ومعاهدها لتقديم نتاج أعمالهم، ليبقى الموسيقيون على علاقة دائمة مع الخشبة والجمهور لأن الاحتراف ليس وصفة دوائيّة برأيه بل هو تراكم خبرات، وهو لا يتحقق إلا بالتجربة والممارسة من خلال الوقوف على خشبات المسارح والاحتكاك مع الجمهور والعمل مع المجموعة، مؤكداً أن معهد صلحي الوادي لا يبخل على طلابه بشيء ويقدّم كل ما يمكن أن يؤهلهم أكاديمياً، موجهاً الشكر الكبير إلى كلّ الأساتذة المشاركين في الحفل، دعماً وتشجيعاً للطلاب ومحبة وإيماناً بالمؤسّسة من دون مقابل يُذكر، وهو ما يحقق واحدة من الغايات السّامية للتعليم التأهيلي الفنّي الموسيقي لوزارة الثقافة، كذلك للطلاب ولأهاليهم الذين كانوا ينتظرون أولادهم بالساعات ضمن ظروف صعبة ليقطفوا ثمار هذا الجهد.
طابع وطنيّ
وأشار المايسترو مهدي المهدي قائد الأوركسترا إلى أنه ارتأى في ظل الحرب التي تُشنّ على غزة أن يكون برنامج الحفل ذا طابع وطني ليكون للموسيقيّين دور فاعل في رفد الحركة الثقافية برسالة وطنيّة راقية من خلال أعمال الفنانة فيروز والأخوين الرحباني لكون هذه الأعمال ذات طابع كلاسيكي بحت، من دون أن يخفي المهدي أن المسؤولية كانت كبيرة لإنجاح الحفل لأنه يقدَّم على مسرح الأوبرا، موضحاً أن معظم الأعمال التي قُدمت فيه هي أعمال كوراليّة شارك فيها طلبة الغناء الشرقي، بالإضافة إلى محبي الغناء وقد كانوا برأيه أبطال الحفل الذي جعل من الأوركسترا أوركسترا احترافيّة شأنها شأن أي أوركسترا في سورية، منوهاً بأن من أهداف الأوركسترا تقديم الموسيقا العربيّة بأسلوب أكاديمي يخضع لقواعد التوزيع الهارموني والعلوم الموسيقيّة والكلاسيكيّة وتطبيقها على المادة الموسيقيّة اللحنيّة الشرقية والعربية بإضافة عنصر التوزيع الموسيقي من دون المساس بهوية هذه الموسيقا، وهذا يتطلّب الحفاظ على هوية اللحن، وبالوقت ذاته إضافة العلوم الموسيقية الكلاسيكيّة غربيّة المنشأ وإسقاطها بعنصر التوزيع الأوركسترالي، وهي موازنة صعبة برأيه، وقلّة من نجح فيها، ومنهم الأخوان رحباني وفيروز، لذلك اختار أعمالهم لأن هذا النوع من الموسيقا يجعل الموسيقا العربية ذات طابع عالمي لاحتوائها على كلّ الآلات، مع إشارته إلى أنه أضاف في هذا الحفل آلات نفخيّة أول مرة “الفلوت، الكلارينيت، الترومبيت، الترومبون” فأغنت الأوركسترا بألوان جديدة، وقدمت خيارات وآفاقاً جديدة بالتوزيع الأوركسترالي، منوهاً بأنه ركَّز أثناء التدريبات مع الأطفال على موضوع الإحساس وحالاته المختلفة لأن هذا ما يجعل من هؤلاء الموسيقيّين محترفين رغم صغر سنّهم بحيث لا يقومون فقط بتأدية النوتات الموسيقيّة المطلوبة بل يضيفون إحساسهم ممّا يجعل العمل الفني عملاً متكاملاً، ولم ينكر المهدي وهو الذي سبق وأن قاد أوركسترا للمحترفين أن قيادة أوركسترا الطلاب وبأعمار صغيرة أمر صعب، وهو يتطلّب الكثير من الحرص والمسؤولية العالية لصناعة محترفين منهم.
وعبَّر الطلاب المشاركون في الحفل عن سعادتهم بما أنجزوه وبالتشجيع الكبير الذي قوبل به حفلهم من قبل الجمهور الذي تفاعل معهم بعد الجهود الكبيرة التي بذلوها، في حين شكر الأهالي قائدَ الأوركسترا وإدارةَ معهد صلحي الوادي لأن جهودهم أثمرت هذا الحفل الذي تألق فيه أبناؤهم.