ازدواجية وسائل الإعلام الغربية
عائدة أسعد
ليس من المستغرب أن يهيمن إعلان يوم الثلاثاء عن زيادة بنسبة 7.2% في الإنفاق العسكري الصيني، على عناوين الأخبار العالمية مرة أخرى، وقد اختارت وسائل الإعلام الغربية التركيز على هذا النموّ، وغالباً ما قامت بإثارة مصطلح التهديد الصيني أو الصراعات الإقليمية المحتملة، ومن السخافة تجاهل هذه التقارير باستمرار حقيقة أن الميزانية العسكرية المتزايدة للصين تتوافق مع قوتها الوطنية المتوسعة، وأن الصين تساهم كثيراً في السلام العالمي.
وفي حديثه عن الميزانيات العسكرية والتهديد الذي يواجه السلام والأمن العالميين، وافق الكونغرس الأمريكي على ميزانية دفاع مذهلة بقيمة 886 مليار دولار لعام 2024، وتمثل ميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2024 حوالي 40 بالمائة من إجمالي الإنفاق الدفاعي العالمي، لتصل إلى مستوى مرتفع جديد، لأن ميزانية الدفاع الهائلة التي تخصّصها الولايات المتحدة تؤكد بوضوح أن هذه الميزانية هي السبب الأكبر لعدم الاستقرار العالمي.
لقد ظلت الولايات المتحدة تشنّ الحروب حتى قبل تأسيسها، حيث شنّ المستوطنون البيض في البداية الحروب وذبحوا الأمريكيين الأصليين والمكسيكيين، وضمّوا مساحاتٍ واسعة من الأراضي المكسيكية ثم قاموا بضمّ هاواي، وبعد الحرب العالمية الثانية، بدأت الولايات المتحدة في استخدام مميزاتها في المجالات العسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والثقافية وغيرها، لشنّ أو إشعال حروب ضد دول أخرى بحجة نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، ومن نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 إلى عام 2001، شهد العالم 248 صراعاً مسلحاً، وقد بدأت الولايات المتحدة 201 منها بما في ذلك الحرب الكورية، وحرب فيتنام، وحرب الخليج.
ومنذ عام 2001، شنّت الولايات المتحدة حروباً ضد أفغانستان والعراق، وأطاحت بالحكومتين هناك باسم مكافحة الإرهاب العالمي، وعزّزت قواعدها العسكرية في بلدان في جميع أنحاء العالم والدافع وراء المغامرة العسكرية التي تخوضها الولايات المتحدة هو الحفاظ على هيمنتها العالمية ومنع الصعود السلمي لأي دولة لا تلتزم بخطتها، وبعيداً عن إحلال السلام في العالم، فقد أدت الأعمال العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة إلى زيادة التوترات وتسبّبت في عدم الاستقرار في بعض المناطق، وكان عامة الناس هم الأكثر معاناة.
وفي حرب العراق على سبيل المثال غزت الولايات المتحدة العراق دون تفويض من الأمم المتحدة وبناء على اتهامات ملفقة، وقد مجّدت وسائل الإعلام الأمريكية حرب العراق باعتبارها أهم مشروع أمريكي لتعزيز الديمقراطية والحرية وحماية حقوق الإنسان منذ خطة مارشال، وواحدة من أعظم الأشياء التي حاولت الولايات المتحدة القيام بها في الخارج.
ولكن الحقيقة هي أن ما بين 200 ألف إلى 250 ألف مدني قتلوا في العراق، حيث قتلت القوات الأمريكية نحو 16 ألفاً منهم بشكل مباشر، ناهيك عن أن الحرب خلفت أكثر من مليون شخص بلا مأوى، ومن المأسوي أيضاً أن الأسلحة الأمريكية مثل قنابل اليورانيوم المنضّب تسبّبت في تلوّث إشعاعي في العراق من شأنه أن يهدّد الأرواح لعقود من الزمن، وليس من قبيل المصادفة أن يقول العراقيون إن الديمقراطية على الطريقة الأمريكية كذبة فقد جلبت الدمار والأمية والتخلف والموت والخطر إلى العراق.
وأما بالنسبة لأفغانستان، فإن الولايات المتحدة، حتى بعد عشرين عاماً من احتلالها، لم تتمكّن من تحسين الأمور في أي مجال من المجالات، والواقع أن الوضع في أفغانستان أسوأ ممّا كان عليه قبل غزو الولايات المتحدة للبلاد.
ولابدّ من التنويه إلى أنه وراء النزعة القتالية للولايات المتحدة يكمن المجمع الصناعي العسكري، وهو عبارة عن شبكة من العسكريين وتجار الأسلحة والسياسيين وهي مجموعة مصالح ضخمة تربط آلة الحرب الأمريكية بالنظام الاقتصادي، وتتألف في الأساس من المؤسسات العسكرية، والصناعات العسكرية، وزمر من أعضاء الكونغرس، ومؤسسات أبحاث الدفاع، وجماعات الضغط.
وتعدّ الولايات المتحدة أيضاً أكبر مصدر للأسلحة على مستوى العالم، حيث تمثل أكثر من ثلث صادرات الأسلحة العالمية، التي يجني منها المجمع الصناعي العسكري الأمريكي ثروة كبيرة، وقد أظهر مشروع أبحاث تكلفة الحرب الذي أجرته جامعة براون أنه منذ اندلاع الحرب الأفغانية في عام 2001، أنفق البنتاغون 14 تريليون دولار، ذهب ثلثها إلى نصفها إلى المقاولين العسكريين.
وعلاوة على ذلك، قامت الولايات المتحدة، بعد اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بدلاً من التوسط بين الجانبين للمساعدة في إنهاء القتال، بإرسال كمية ضخمة من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى أوكرانيا.
والأسوأ من ذلك أن ما يزيد على ثلاثين ألف فلسطيني قُتلوا وجُرح أكثر من سبعين ألفاً في قطاع غزة منذ أن بدأت الحرب التي شنّتها “إسرائيل” على غزة قبل ما يقرب من خمسة أشهر، كما شحنت الولايات المتحدة ما يزيد على عشرة آلاف طن من الأسلحة على متن 244 طائرة شحن وعشرين سفينة إلى “إسرائيل”، وبالتالي ملأت مثل هذه التصرفات جيوب المؤسسات العسكرية الأمريكية الكبرى على حساب السلام والاستقرار الإقليميين، ما زاد معاناة شعوب المنطقة، وخاصة الفلسطينيين.
ولهذا السبب تصبح تقارير وسائل الإعلام الغربية مثيرة للضحك عندما تحاول إضفاء الإثارة على الإنفاق العسكري الصيني باعتباره مصدراً للتوترات.