ثقافةصحيفة البعث

المسرح الغنائي الطلائعي انتماء وعطاء

حلب – غالية خوجة

تتواصل فعاليات منظمة طلائع البعث الثقافية والفنية تحت شعار “طلائعنا انتماء وعطاء”، احتفاء بالذكرى الحادية والستين لثورة الثامن من آذار، ومنها المسرح الغنائي الذي أقامه فرع حلب لطلائع البعث بالتعاون مع نقابة الفنانين وعلى مسرحها، والذي امتدّ يومين، عارضاً مسرحيتين: “أوبريت أسطورة الماء والحياة”، و”البوصلة”، بحضور العديد من الشخصيات الرسمية والثقافية والقيادية من دمشق وحلب، منها الدكتور محمد عزت عربي كاتبي، ورنا يوسف عضو اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي رئيس مكتب التربية والطلائع، ومصطفى جيلو وحسام الدرة ونعمى شدود وسامر حلاق أعضاء قيادة المنظمة، ومروان دويعر عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام، وأمناء وأعضاء قيادات الشعب الحزبية وموسى الأحمد أمين منظمة الطلائع فرع حلب، وأعضاء قيادة فرع حلب لطلائع البعث، وعدد من رؤساء المنظمات الشعبية وحشد من طلاب المدارس.

القيم الوطنية العربية الحضارية

وحول أهم ميزات هذا المسرح، وفي تصريحه لـ”البعث”، قال قيصر خوري، عضو قيادة منظمة الطلائع بفرع حلب، رئيس مكتب المسرح والموسيقا: “إعادة إحياء هذه المسارح التي كانت سابقاً متفاعلة وفاعلة مع الأطفال نتيجة ما مرت به سورية، مع مزيد من الفائدة، وهو ما تهدف إليه أنشطة المنظمة وتحرص عليه مع القيم الأخلاقية والوطنية والاجتماعية والفنية والسلوكية”.

بدوره، أخبرنا حسام داود عضو قيادة المنظمة بفرع حلب، رئيس مكتب الثقافة والإعلام: “أطفالنا يقودون هذه المشاريع مع التأكيد على اللغة العربية والمضمون القومي وتاريخنا الوطني النضالي وثقافتنا الحضارية الحاضرة دائماً”.

تنين وبخار وحق

وبمقطع صوتي تصاحبه الموسيقا وبمشهد باللون الأحمر الغائم، انطلقت مسرحية “أوبريت أسطورة الماء والحياة”، لتحكي عن الحركة في الأعماق المائية، وكيف تتحرك الثعابين، وكيف يرقص الماء لدرجة الطوفان، وهنا، يدخل الممثلون من أعمار مختلفة ويؤدون رقصات متماوجة مع صوت الراوي الذي كان الشخصية البطلة وهي تنقلنا من مشهد استعراضي لآخر، بدأت مع حواره ومخاطبته للتاريخ: “هذه هي الحكاية، هيا أيها التاريخ أعطني البداية”.

ثم تداخلت المشاهد بأفقية ما لتوصل إسقاطاتها الدلالية على الواقع الذي يحيط بنا مثل تنين الأسطورة، لكنّ الماء يظل هو الحياة والانتماء والوفاء والحياة والعطاء، وتجسده الفتاة المرتدية لثوب فلكلوري عربي فلسطيني، ويكمله صوت الراوي الذي غالباً ما كان خطابياً مباشراً، يملأ المنصة فتهدأ حركة الجوقة صوتاً ورقصاً، ما جعل المشاهد تمشي بإيقاع بطيء، والحركة الدرامية تتراوح بين فقرة وأخرى وكأنها الأمواج بين مدّ وجزر، لكنها لم ترتفع تصاعدياً إلاّ في لوحات قليلة، منها وهي تبثّ الإيجابية بين الحضور والمخاطبين كي ينزعوا الخوف من دواخلهم، لأن خوفهم يجعل التنين قوياً، كما تنخفض هذه الإيقاعية مع شرح الراوي الذي يصير حكواتياً أحياناً: “في كل زمن أضحية”، ولا يلبث الإيقاع أن يعلو مع بعض الفقرات الغنائية التشجيعية، مثل: “هللوا للحضارة”، وصوت الفتاة التي تدور بين الجوقة على المنصة وهي توصل معاناتها وأحلامها وإرادتها إلى الجميع، مؤكدة فاعلية المياه ومعادلتها المتوازية مع الحق والحياة.

والملفت أن موسيقا الراحل نوري إسكندر شكّلت قوة هذه التماوجاتالمشهدية وتقاسمت دور البطولة مع كلمات عيسى أيوب، بينما الإخراج فكان للفنان علي السيد، ومن ناحية ثانية، كان الملفت التركيز على ضبابية اللون الأحمر الدموي والذي جاء تركيزاً مثقلاً في السينوغرافيا، أتعبه البخور والضباب وتأثيرهما السلبي على العمل، فسعل الحضور، ومنهم من خرج، إضافة إلى تأثير هذه المؤثرات على عملية التصوير والمشاهدة التي أصبحت غير واضحة.

البوصلة تتجه إلى القلب

الحق الراسخ بأن فلسطين هي القلب والبوصلة، ومن هذا الفضاء، انطلقت مسرحية “البوصلة”، مؤكدة هذا الحق من خلال التداخل التاريخي والمعاصر بين الصرخة العربية “وامعتصماه”، انتقالاً إلى غزة وصرخات فلسطين الحالية، ما جعلها بتقنية تناسل حكاية من حكاية، لكنها وجدت من يجيب صرختها في الأولى، بينما لم تجد صرخة فلسطين إلاّ ما وجده النبي يوسف من إخوته ما عدا محور المقاومة، وما وجده أطفال فلسطين مثل الطفل الشهيد يوسف وأمثاله وهم يقاومون المحتل المجرم الصهيوني بكل قوة ورغماً عن القذائف والجوع والعطش والدمار، موقنين بالنصر.

اتسمت المسرحية التي ألّفها كل من علي حمام ومحمود درويش الذي أخرجها أيضاً، بالتشويق الاستعراضي المتناسب مع دلالات الحوار والرقصات والفقرات الموسيقية المتناغمة مع كل مشهد، ومع السينوغرافيا بين إضاءة وظل وديكور وملابس، ووظفت الشاشة الإلكترونية بوثائقية عمّا يحدث في غزة، وتختتم بمقولة السيد الرئيس بشار الأسد عن ضرورة المقاومة، وتختتم برقصة دبكة فلكلورية مع رمزية الكوفية.

والملفت أنها بدأت من “قال الراوي” المطل بصوت الطفلة على المنصة ليتحرك المشهد الأول مع الأطفال الممثلين ويضعنا في جو “تحدي القراءة العربي” لتنطلق حكاية المسرحية مع ضرورة القراءة، لتصل إلى كتاب تاريخي يروي عن المعتصم، ثم تتوالى المشاهد المترافقة مع الواقع ورقصاته التعبيرية، بالإضافة إلى عرض رسوم أطفال عن هذه البوصلة ـ القدس، وفلسطين، وحضور بعض الشعراء وأبياتهم مثل المتنبي وأبو تمام وبعض الشخصيات التاريخية مثل سيف الدولة، وحضور المشاعر الفياضة للأطفال الذين فقدوا بيوتهم وأمهاتهم وآبائهم ولم يتبقّ لهم سوى بقايا لعبة نتيجة التدمير والقتل الصهيوني وقذائفه المحرمة دولياً ومنها الفوسفور، والتي استهدفت الأبرياء والمشافي والإعلام وكما تمحورت المسرحية حول حقوق الطفل في التعلم والحياة والبقاء في الوطن الذي يقاومون لأجله واثقين بالانتصار، سائلين العالم: إلى متى تتجاهلون حقوقنا وتدعمون المجرمين والمحتلين وأعداء الإنسانية والحضارة؟