نماذج نسائية سورية قدوة في الإبداع والعمل والنضال
أمينة عباس
ارتأى المركز الثقافي العربي في أبو رمانة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة والذي يصادف في الثامن من آذار أن تكون هذه المناسبة كما في كل عام فرصة لتذكير الأجيال الجديدة بشخصيات نسائية أبدعتْ وتركتْ بصمة مشرّفة في الأدب والحياة والنضال وما تزال نماذجاً يحتذى بها وخير ما يتم الحديث عنها دائماً وذلك من خلال المحاضرة التي ألقتها هنادة الأسطواني التي أكدت أن المرأة السوريّة كانت وما تزال جزءاً من المجتمع، وأن تاريخنا يحفل بنماذج نسائية رائدة هي اليوم خير مثال وقدوة في الإبداع والعمل والنضال إلى جانب الرجل في بناء المجتمع.
وبدا من خلال المحاضرة أن القائمة طويلة والحديث عن هذه النماذج لا ينتهي، لذلك كان من الضروري بالنسبة للأسطواني التوقف عند بعضها ليس تكريماً لها فحسب، بل تشجيعاً وحثّاً للأخريات لكي ينسجن على ما قدمته، مبينة أنّ المرأة السوريّة بدأت تتلمّس طريقها نحو التحرير مع انطلاق عصر التنوير، وبعد عام 1970 صدرتْ حزمة من القوانين التي تحميها وتعزّز حضورها في جميع المواقع وتساوي بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات انطلاقاً من الإيمان بأن المرأة هي نصف المجتمع وتربّي النصف الآخر.
عجمي والعابد والجزائري والعظمة
وتحدثت الأسطواني عن ماري عجمي التي أصدرتْ مجلة “العروس” عام 1910 وكانت قضية المرأة ومناصرتها الشغل الشاغل لها إلى جانب مواقفها الوطنيّة والدفاع عن بلدها ضدّ الاستعمار الفرنسي، كذلك عن نازك العابد التي حاربتْ مع الجيش في معركة ميسلون فنالتْ رتبة نقيب فخريّة، كما كانت المؤسسة للندوة الثقافيّة السوريّة عام 1920، وقامت بأعمالٍ جليلة تحدّت فيها اليأس والهزيمة، وأسّست جمعيّات نسائيّة عديدة وكان لها دور كبير في مساعدة النسوة اللّواتي فقدن أزواجهن وآباءهن وإنشاء مدرسة لأبناء الشهداء، وأصدرتْ مجلة “نور الفيحاء” وهي مجلّة أدبيّة نسائيّة تهدف إلى نهضة المرأة السوريّة، مؤكدة أن العابد ظلّتْ مثالاً للمرأة العربيّة المكافحة طوال سنوات حياتها، وقد سارت على دربها فيما بعد عادلة بيهم الجزائري حفيدة المجاهد عبد القادر الجزائري التي وُلِدَت وعاشت في دمشق وكانت من المناضلات اللواتي نظّمن مظاهرة نسائية في دمشق مطالبة فرنسا بمنح سورية استقلالها، ومن ثم وحيدة العظمة التي كانت أول طبيبة برتبة ملازم أول في الجيش عام 1950، منوهة بأن العظمة كانتْ تميل إلى الأدب وتطمح أن تكون كاتبة، ونظراً لتفوقها في مجال العلوم انتسبت إلى كلية الطب التي درست فيها على يد كبار الأساتذة المعروفين آنذاك، ولتميزها والتزامها بعملها أوفِدَت من قبل الجيش إلى فرنسا لتتخصّص في طب الأطفال وعادتْ لتخدم بلادها فعملتْ مدة ثلاثين عاماً، كما عملتْ في وزارة الدفاع كرئيسة للأطباء وأسهمتْ في تأسيس جمعية أطباء الأطفال السّوريّة وجمعيّة تنظيم الأسرة، وكُرِّمَت من قبل السيدة الأولى عام 2002 لحسن تفانيها في خدمة الوطن والأسرة والمجتمع.
الإدلبي واللحام والسمان
ولأنه لا يمكن الحديث عن المرأة السورية دون ذكر ألفت الإدلبي، بيَّنت الأسطواني أن الإدلبي ترعرعت بين مكتبتين، مكتبة والدها ومكتبة خالها، وقد كان والدها يقرأ على مسامعها نصوصاً أدبيّة راقية وهي لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها، كما كان يُقدّم لها الهدايا لتشجيعها على حفظ أشعار المعلّقات وبعض أبيات الشعر العربي القديم، وحين سمعتْ بمسابقة أدبيّة لأفضل قصّة في الوطن العربي شجّعها زوجها على الاشتراك بها، فكتبتْ قصّة بعنوان “القرار الأخير” وقد فازت بثاني أفضل قصة في الوطن العربي، وحينها أدركتْ أيّ كنوز عظيمة أورثها إياها والدها وهي التي قالت عن نفسها أنّها لم تكن تتوقع أنها ستصبح يوماً ما أديبة كبيرة، وفي رصيدها قصص وروايات تُرجِمَت إلى لغات عدّة.
وذكّرت الأسطواني أيضاً بسلمى اللحام الأديبة والكاتبة الدراميّة التي بدأتْ حياتها الأدبية في عمر مبكر عندما نشرت خواطرها في مجلة “الدنيا” الشهيرة التي كان يديرها ويرأسها الراحل عبد الغني العطري الذي تزوجته فيما بعد، مبيّنة أن اللحام عملتْ في مواقع قياديّة ومناصب عديدة، وكان لها مؤلفات وكتب عديدة من أشهرها “أعواد الثقاب”، و”الانتظار”، و”كانت أيّام”، و”أطفال الحجارة”، وفي مجال الكتابة الدرامية كتبتْ وتميّزت في مسلسلات وأعمال دراميّة وإذاعيّة وتلفزيونيّة عدّة، من أشهرها “ليالي الصالحية”، و”جرن الشاويش”، ولم تنس الأسطواني ذكر الأديبة غادة السمّان كامرأة عربيّة مشرقة عملت في الكتابة، واهتمّتْ بالقضايا النسائيّة من تحرير ومساواة.
وختمت الأسطواني بالدور المميز، حالياً، للمرأة السورية في القيادة السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة فتولّتْ منصب القاضية والسفيرة والمهندسة والإعلاميّة والوزيرة ونائبة رئيس الجمهورية ومستشارة في الشؤون الثقافيّة.