ازدياد ظاهرة الانقطاع المبكر لطلاب الثانوية العامة في حمص.. ومديرية التربية تضع الكرة بملعب الأهالي!
نبال إبراهيم
تزداد ظاهرة الانقطاع المبكر عن المدارس بشكل واضح، وخاصة لطلاب الشهادة الثانوية بفرعيها العلمي والأدبي، ما يشكّل خطورة على المنظومة التعليمية ويشير إلى ضعف ثقة أهالي الطلبة بالمدارس الحكومية، والدليل اندفاعهم لتسجيل أبنائهم في المعاهد الخاصة واعتمادهم على المدرّسين الخصوصيين، رغم ما يتكبّدون من أعباء مالية كبيرة جداً، عدا عن أن الانقطاع المبكر يدفع الطلاب والمدرّسين إلى التسيب وجعلهم غير ملتزمين بالخطة الدراسية المقرّرة وفق مواعيد محدّدة.
في استطلاع ميداني لـ “البعث” لآراء بعض الطلاب والأهالي والمدرّسين والمعنيين بالعملية التعليمية، كانت هناك وجهات نظر عديدة جديرة بالاهتمام والمتابعة فيما يخصّ القضاء على هذه الظاهرة.
منهاج كثيف
العديد من الطلاب أكدوا في أحاديثهم أن منهاج الثانوية العامة كثيف ويحتاج إلى تركيز والكثير من الوقت والدراسة، وأن المدرّسين في المدارس العامة لا يتمكنون من إعطاء المنهاج بشكل كامل ودقيق، وهذا ما يدفعهم –بحسب قولهم- للجوء إلى المعاهد الخاصة والمدرّسين الخصوصيين منذ بداية العام الدراسي، وبالتالي هذا لا يمكنهم التوفيق ما بين الالتزام بالدوام المدرسي بالمدارس العامة والمعاهد الخاصة أو الأساتذة الاختصاصيين، لذلك يتمّ الانقطاع بشكل مبكر عن الدوام المدرسي واقتصار الدوام على المذاكرات والامتحانات المدرسية في معظم الأحيان .
فيما أشار البعض الآخر من الطلاب إلى أنهم يرغبون بالالتزام في الدوام المدرسي واستكمال المناهج الدراسية في المدارس العامة لعدم إمكانية أهاليهم المادية في تسجيلهم بالمعاهد الخاصة، لكنهم عندما يذهبون للمدرسة لا يكون هناك سوى عدة طلاب في القاعة ما يضطرهم إلى الرجوع للمنزل والبحث عن وسيلة تعليمية تتناسب مع وضع أهلهم المادي!.
تقارير طبية وهمية
وبالحديث مع أهالي الطلاب أعربوا عن قلقهم من الانقطاع المبكر عن المدارس، واعتبروا ذلك ظاهرة خطيرة ليست في محافظة حمص فقط وإنما في كل محافظات القطر، وقال العديد منهم إنهم أمام هذا الواقع يجدون أنفسهم مرغمين على تسجيل أبنائهم في المعاهد الخاصة لاستكمال إنهاء المناهج الدراسية خوفاً عليهم من التقصير أو الرسوب، نظراً لأن المدرّسين في المدارس العامة لا يتمكنون من إنهاء المناهج ولا يعطون الحصة الدراسية بشغف وضمير كما يعطونها في المعاهد الخاصة “على حدّ قولهم”.
وأعرب ذوو الطلبة عن أسفهم بسبب ما يحدث من فوضى في المدارس العامة بعد أن تحوّلت ظاهرة الانقطاع إلى “برستيج” اجتماعي يدلّ على ضعف دور المدارس الحكومية عاماً بعد عام، مع تنامي ظاهرة المعاهد الخاصة، ولم ينفِ البعض من الأهالي أنهم يقومون بتبرير غياب أبنائهم عن مدارسهم بتقارير طبية وهمية!!.
ماذا يقول المعلمون؟
عدد من المدرّسين أكدوا أنهم ملتزمون بإعطاء المناهج الدراسية والدروس المقررة بحسب خطة الوزارة، حتى وإن كان بالقاعة الصفية طالب واحد فقط، مشيرين إلى أن المعاهد الخاصة أغرت الطلاب لكونها تنهي المناهج قبل المدرسة ولأنها تبدأ بإعطاء الدروس منذ فصل الصيف، الأمر الذي تسبّب بقيام بعض الطلاب الذين يدرسون في تلك المعاهد بالتشويش على باقي طلاب الصف، وعزا عدد من المدرّسين مسؤولية انقطاع الطلاب المبكر عن الدوام المدرسي بالدرجة الأولى إلى الأهالي وعدم تعاونهم مع المدرسة وإلزام أبنائهم بالدوام وقيامهم بتبرير غياب الأبناء حتى ولو كان ذلك ضد مصلحتهم.
مدراء مدارس
بدورهم أكد البعض من مديري المدارس أنهم ملتزمون بالخطة الوزارية التي تقتضي إنهاء المنهاج في شهر أيار، وأنهم يقومون بتوجيه الإنذارات للطلاب عند تكرار الغياب وترقين قيدهم في حال عدم تبرير غيابهم، لافتين إلى أن أحد أسباب الانقطاع المبكر للطلاب عن الدوام المدرسي هو غياب دور الأهل وعدم حضورهم للمدرسة لمتابعة المستوى التعليمي لأبنائهم من جهة، ولجوء الأهالي إلى تسجيل أبنائهم في المعاهد الخاصة التي باتت منتشرة بشكل كبير.
مديرية التربية
مدير التربية في محافظة حمص فراس عياش بيّن في حديثه لـ”البعث” أن المديرية اتخذت جملة من الإجراءات للحدّ من ظاهرة الانقطاع المبكر، منها القيام بتغيير العديد من مديري المدارس والموجهين وترقين قيد العديد من الطلاب الذين انقطعوا بشكل كامل عن الدوام المدرسي، إضافة إلى التشدّد بالدوام المدرسي، وخاصة بالنسبة لطلاب العاشر والحادي عشر باعتبارهم الركيزة للسنوات القادمة.
وأكد عياش أن نسبة الدوام المدرسي جيدة بالنسبة لطلاب العاشر والحادي عشر الثانوي وبلغت نحو 90%، وبالنسبة لطلاب الثالث الثانوي، بيّن أنه يتوجب عليهم تحقيق نسبة دوام فعلي ما بين 70– 75% للترشح للامتحان النهائي، مشيراً إلى أن مدة التقارير الطبية لا تعتبر من الدوام الفعلي لترشيح الطالب للامتحان النهائي.
جولات مفاجئة
ولفت عياش إلى أنه تمّ الحدّ من هذه الظاهرة بنسبة تتراوح ما بين 60– 70% هذا العام مقارنة بالعام الدراسي السابق، وأنه تمّ التشديد على جميع المدارس بضرورة تنفيذ الخطة الوزارية لإنهاء المقررات الدراسية في مواعيدها المحدّدة، والتزام المدرّسين بالدوام المدرسي حتى وإن لم يكن هناك أي طالب، كما لفت إلى أن المديرية قامت بعدة جولات مفاجئة للتأكد من مدى التزام المدارس بهذا الإيعاز والتوجيه، وعلى أثر ذلك تمّ نقل عدد من المدرسين وتحويل 12 مدرساً إلى الرقابة الداخلية جراء ذلك نتيجة التقاعس والغياب عن الحصة الدراسية وعدم الالتزام بالدوام المدرسي.
وحمّل مدير التربية أهالي الطلبة مسؤولية تسجيل أبنائهم بالمعاهد الخاصة لكون المدارس العامة مفتوحة، وهي الضمانة للجميع، والمدرّسون موجودون ويتوجب عليهم إعطاء المنهاج بالكامل، وفي حال تقصير أي مدرّس تتمّ محاسبته وفق الأنظمة والقوانين، لذا يتوجب على الأهالي الوعي بهذا الخصوص.
وكشف مدير التربية أن وزارة التربية تعمل على إصدار قوانين لضبط عملية الدروس الخصوصية تحت اسم قانون ممارسة المهنة يتمّ العمل عليها حالياً ليتمّ فيما بعد تنفيذها.