الفقر التربوي في المجال التعليمي؟!
نتفق جميعاً أن ظاهرة التسرب من المدارس موجودة في جميع بلدان العالم، وهي تتفاوت في درجة حدتها وتفاقمها من بلد إلى آخر. وبحسب ما نقرأ ونسمع ونرى، لا يمكن أن يخلو أي واقع تربوي من هذه الظاهرة الخطيرة على المنظومة التعليمية والتربوية بشكل خاص، وعلى المجتمع بشكل عام.
وقد عرفت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التسرب بأنه “صورة من صور الفقر التربوي في المجال التعليمي, عندما يترك التلميذ الدارسة في إحدى مراحلها المختلفة”. ويشي هذا التوصيف بمؤشرات خطيرة حاضراً وعلى المدى البعيد، والسؤال هنا: من المسؤول عن ازدياد نسب “الفقر التربوي” في المجال التعليمي؟
لا شك في أن الأسباب كثيرة، منها ما يتعلق بغياب الإجراءات المناسبة من قبل الجهات المعنية عبر مؤسساتها المختلفة، وبعضها مرده إهمال الأسرة وتردي أحوال المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وغيرها من العوامل التي أدت، بمجملها، إلى خروج أعداد هائلة من التلاميذ والطلبة من النظام التعليمي في مراحله المختلفة. والخطير في الأمر أن الكثير من الأسر بدأت تفقد الثقة بجدوى التعليم ومستقبله، والدليل أنها تشجع أبناءها على ترك المدرسة، أو على الأقل تتغاضى عن ذلك، وتدفعهم للعمل ولو في ظروف قاسية، فالمهم هو تأمين لقمة العيش!!
ولا ننكر ما تقوم به وزارة التربية لجهة استمرار العملية التعليمية وتطويرها في المدارس ومحاربة معوقاتها، ونشر الوعي في المجتمع عن أهمية التعليم، والتأكيد على حصول جميع الأطفال على التعليم مع دعم الدولة لمجانية التعليم. ولكن بالرغم من أهمية هذه الإجراءات، يبقى هناك عدم اهتمام وتقدير بالشكل المطلوب فيما يتعلق بدعم الأسر الفقيرة كي تتمكن من إرسال أبنائها إلى المدارس والجامعات.
صحيح أن وزارة التربية لم تتشدد كثيرا باللباس المدرسي والقرطاسية، غير أن هذه الأمور، على أهميتها، لا تحل مشكلة التسرب، ولا تغيّر في قرار إحجام الناس عن تسجيل أبنائها في المدارس، والسبب أن هناك وضعا اقتصاديا ومعيشيا ضاغطا يحتم العمل على تقديم كافة أشكال الدعم المادية والعينية لمساعدة الأسر الفقيرة وغير القادرة على تعليم أبنائها، وهذا ما أردنا الإشارة إليه والتركيز عليه في هذه العجالة.
إن أكثر من 13 عاماً على الحرب، تخللتها عقوبات اقتصادية خطيرة، إضافة إلى ضعف الخطط والبرامج والحلول الاقتصادية الحكومية، جعلت الناس “على الحديدة”، ولم يعد يعنيها ارتفاع معدلات الفقر التربوي والتعليمي، بقدر ما يعنيها “ستر الحال”، عدا عن العوامل الاجتماعية الخطيرة التي خلفتها الحرب كالتفكك الأسري الذي جعل الأبناء أمام تحديات خطيرة أثرت على تعليمهم المدرسي والجامعي. ومع اعترافنا بوجود أسباب أخرى كثيرة، بل وعدم رغبة البعض بالأساس بالذهاب إلى المدارس والجامعات، نعود للتأكيد على العامل الاقتصادي والاجتماعي الذي يبقى مقلقاً وهو الأخطر.
وبالمنطق لا تستطيع أن تلوم الأسرة التي لديها طالبان في المدرسة، وثلاثة في الجامعة، وربما أكثر، على دفع اثنين من أبنائها على الأقل للتضحية في سبيل تعليم الآخرين، وقسّ على ذلك!
بالمختصر، غالبية الناس اليوم عاجزة عن تدبير أحوالها، وهذا ما يستدعي من الحكومة والمنظمات والجمعيات في المجتمع العمل الجدي على اتخاذ إجراءات فيما يخص دعم وتقوية نظام الحماية الاجتماعية بما يدعم الأسرة اقتصادياً، ويجعلها إلى حد ما قادرة على تعليم أبنائها بدلاً من دفعهم للتسرب أو رفض تعليمهم!!
غسان فطوم