ضحية الفخ الأمني الأمريكي الأوروبي
عائدة أسعد
أصبحت السويد أحدث دولة تتورّط في الحرب بالوكالة التي تشنّها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة ضد روسيا، لتودّع تقليد الحياد الذي استمرّت عليه 200 عام.
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد أن وافقت المجر على أن تصبح السويد عضواً في منظمة حلف شمال الأطلسي، لم يعُد هناك أي عائق فني آخر أمام انضمام الدولة الإسكندنافية إلى التحالف العسكري عبر الأطلسي.
لقد ارتفع الدعم الشعبي في السويد لعضوية الناتو من 35% في عام 2021 إلى 64% في عام 2022، بعد أن أطلقت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، مع استغلال الناتو نفسه للصراع كفرصة لحثّ السويد، إلى جانب فنلندا، على الانضمام إلى الناتو لتضخّم صفوفها.
وبعد أن أصبحت فنلندا العضو الحادي والثلاثين في المنظمة العام الماضي، وبمجرد انضمام السويد، سيتم القضاء على المنطقة العازلة الأخيرة في شمال أوروبا بين روسيا وحلف شمال الأطلسي بالكامل.
وفي الوقت نفسه تقريباً الذي أعطت فيه بودابست الضوء الأخضر للسويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي تم إطلاق مناورة تدريبية عسكرية هي الأولى من نوعها، شارك فيها أكثر من 20 ألف جندي من 13 دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، عبر شمال النرويج والسويد وفنلندا وتستمرّ المناورة حتى 14 آذار.
كذلك تتضمّن المناورة تدريباً على العمليات عبر الحدود في الدائرة القطبية الشمالية، وبذلك تكون السرعة التي قام بها الناتو بتوسيع التدريبات والمقرر إجراؤها في السابق في النرويج فقط لتشمل منطقة الشمال بأكملها، هي علامة واضحة على أن المنظمة تريد طمأنة أولئك – في السويد وفنلندا- الذين يشعرون بالقلق بشأن العواقب التي قد تترتب على الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، وأنهم أصبحوا بالفعل تحت حماية المنظمة، وأيضاً لاستعراض قوة الناتو الجديدة لروسيا.
إن وجود جيوش وأسلحة العديد من الدول على أراضيهما، لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، أثار بطبيعة الحال سؤالاً للعديد من السويديين والفنلنديين الذين يشكّكون في حكمة انضمام بلديهم إلى حلف شمال الأطلسي، وما إذا كان ذلك يجعلهم أكثر أماناً أو يعرّضهم لخطر أكبر.
ولم تكن فنلندا أو السويد تعدّ في السابق تهديداً أمنياً في نظر جارتهما الشرقية بسبب حيادهما الطويل الأمد، حتى في ذروة الحرب الباردة.
وعلى الرغم من أن حلف شمال الأطلسي يدّعي أنه آلية أمنية جماعية، إلا أن جميع تصميماته المؤسسية وعمليات انتشاره العسكري تهدف إلى مواجهة روسيا بقوة، ويمثل الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي تغييراً كبيراً في السياسات الدفاعية لكل من السويد وفنلندا، فضلاً عن قبولهما ودعمهما لمبادئ الناتو وأهدافه.
إن حلف شمال الأطلسي هو الذي يحاول التكهّن بالصراع الأوكراني لدفع البلدين إلى التخلي عن حيادهما والانضمام إلى موقفه العدائي تجاه روسيا، مع العلم أنه هو الذي يحتاج إلى البلدين لخططه الحربية أكثر من حاجتهما إليه.
وبما أن البلدين عضوان في الاتحاد الأوروبي، الذي استدرجته واشنطن إلى فخ المعضلة الأمنية، فإن الأجواء التي اتخذا فيها قراراتهما بشأن عضوية الناتو كانت خالية من الموضوعية الهادئة.
إن الناتو, وبناءً على طلب من الولايات المتحدة، هو الذي كسر إجماعه الضمني مع موسكو من خلال تقليص ثم إزالة المنطقة العازلة بينه وبين روسيا التي كانت موجودة منذ نهاية الحرب الباردة، ما أدّى إلى تدمير أساس السلام والاستقرار في أوروبا.
وبالتالي فإن تخلّي السويد وفنلندا عن حيادهما الطويل الأمد لا يفضي إلى استعادة السلام في أوروبا، لأنه لا يؤدّي إلا إلى تعزيز الموقف العدواني لحلف شمال الأطلسي، ولن يؤدّي ذلك إلا إلى دفع القارة بعيداً عن آلية أمنية دائمة ومتوازنة وقابلة للتنفيذ يدعي جميع الأطراف أنه يسعى إلى بنائها.