الرقص على إيقاع المجزرة
أحمد حسن
ما أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ يومين، بأنه لا توجد “خطوط حمراء ستحرم إسرائيل من الدعم الأمريكي إذا تجاوزتها”، في مجزرتها المفتوحة بـ “غزة”، هو عين الحقيقة التي يعرفها الجميع – وقول الحقيقة في واشنطن يعدّ من الأمور النادرة هناك – فالرجل بشخصه وموقعه، يعتبر الحامي الأول والأكبر للكيان الصهيوني، لذلك فإن ما أتى بعد هذه الجملة الواضحة والصفيقة، مثل اعتباره أن نتنياهو “يضرّ إسرائيل أكثر مما ينفعها” بطريقة إدارته الحرب في غزة، أو عدّه القرارات التي اتخذها الأخير، والتي تسببت بقتل المدنيين “خطأً كبيراً”، لم يكن إلا تغطية أخلاقية كاذبة ومنافقة لموقفه الحقيقي من جهة أولى، ومحاولة معلنة، من جهة ثانية، لإنقاذ “إسرائيل” حتى من نفسها، وعمل مقصود، من جهة ثالثة، لإعادة تصويب الأحداث وتطويع مجزرة غزة لصالح خطوات حربه العالمية الكبرى التي تشكّل “غزة” مفصلاً هاماً في “ممرّها الاقتصادي” الذي “اخترعه” ليواجه به طريق الحرير الصيني، وهذا هو تحديداً دور “الميناء العائم” الذي بشّر أهل غزة بمساعداته “الإنسانية” منه، لكنه ليس إلا موطئ قدم أوّلي في مشروع لا علاقة له البتّة بالمساعدات التي يعرف الجميع أن الحاجة إليها ستنتفي في حال أوقف، أو هدّد جدياً بإيقاف، دعمه السياسي والاقتصادي والتسليحي للقاتل الإسرائيلي.
وعلى غرار “السيد” تصرّف الوكيل الإقليمي الثاني، أي “سلطان أنقرة”، فالرجل لم ولن يترك المجزرة تمرّ دون الاستفادة منها، لشخصه أولاً ولحزبه ثانياً ولمشروعه “الملّي” ثالثاً. وخلال الأسابيع الماضية، ثبّت أردوغان بنود صفقته مع واشنطن التي وافق بموجبها على انضمام السويد إلى “الناتو” في مقابل تمرير صفقة طائرات “إف-16” المجمّدة لتركيا، ثم عاد إلى استحضار حلم “السلطنة”، معلناً نيته “إقامة منطقة أمنية على الشريط الحدودي مع سورية بعمق 40 كيلومتراً”، وفي الطريق إلى ذلك عمد إلى “دغدغة” المشاعر الشعبية بوصف نتنياهو بـ “الطاغية” – وهو كذلك حقاً – وإدانة “المجازر” و”الجرائم ضد الإنسانية” – وهي كذلك أيضاً – التي ارتكبتها “إسرائيل”، لكنه، وعلى غرار “السيد الأبيض” يواصل، بحسب كتاب أتراك، وبحسب تفاصيل بيانات اقتصادية لا تعرف كذب السياسيين، “مدّ “إسرائيل” بالكهرباء لصناعاتها، والحديد لسلاحها، والوقود لآلياتها، والغذاء والنسيج لسكانها، والسُتر الحرارية لجيشها”.
خلاصة القول، هذه حلقة أخرى من حلقات الحرب على المنطقة التي تنتقل كل مرّة إلى مرحلة أكثر شراسة مما قبلها. وهنا يصبح من نافل القول الإشارة إلى تراجع المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، عن قناعته السابقة بعدم جدوى “جنيف” كمقرّ لعقد اجتماعات اللجنة الدستورية المجمّدة، منذ حزيران عام 2022، على خلفية تخلّي سويسرا عن حياديّتها. فبعدما أعلن سابقاً عن وجود خيارات أخرى تجري دراستها، لاختيار مقرّ جديد للاجتماعات يحظى بقبول جميع الأطراف، عاد للسير في ركاب التصعيد الأمريكي واعتمادها من جديد في محاولة واضحة لإحراج دمشق وموسكو، وتحميلهما مسؤولية تعثّر هذا المسار، لكن الأعين مفتوحة على هذا الرقص الوحشي على إيقاع المجزرة..والصراع مستمر.