من تقاليد حلب في شهر رمضان الكريم
فيصل خرتش
عرف أهالي حلب بحبَهم للشعر والغناء، ولهذه المدينة طابع خاص يميّزها عن بقية المدن، فهي بسكانها الكرماء، وعاداتها وأمثالها وأدبها الشعبي، فقد كان مسار الحياة اليومية عندهم يبدأ مع صيحات المؤذن للصلاة، فيخرج الذكور وتدبّ الحياة في الخانات، وتصل القوافل المحمّلة بالبضائع، ومع طلوع الشمس تفتح الحوانيت، ويبدأ البيع والشراء، وعند العصر تقوم النسوة بإعداد الطعام، والأطفال يحملون الأطباق إلى الجيران، وعند المساء تغسل الفتيات أرض الدار ويجهزن المصطبة والليوان للجلوس، ومع حلول العشاء يبدأ السهر عند الأقرباء، إنها سهرات عامرة بالحكايات والألعاب، وقد تكون هناك سهرة تجمع الناس، فتبدأ الأغاني الشعبية والموشحات والقدود.
إن أفضل الأيام تكون في صوم شهر رمضان، ففيه يجتمع الأهل حول موائد الإفطار والسحور، ويتمثل صيامهم في الامتناع عن الأكل والشراب وهو مفروض على الجميع، بيد أنه يمكن عدم التقيّد به في حالات المرض أو حدوث أي عائق آخر، شريطة صوم عدد مماثل من الأيام في وقت آخر، عندما تسمح الظروف بذلك، ولا يتناولون طعاماَ ولا يشربون ماء ويمتنعون عن التدخين من الفجر وحتى الغروب في شهر رمضان، وهذه الفترة مخصّصة للعبادة، فقلما تعقد صفقات قبل الظهر، ولا تفتح المحلات إلا في وقت متأخر من النهار، والرجال ميسورو الحال يبقون في بيوتهم معظم الوقت، إنَهم يعانون عدم شرب القهوة والتدخين، أما الأشخاص الذين تستدعي ظروفهم التجوال والعمال المياومون فيتعرضون للحرارة والبرد، ويعاني كثير منهم الجفاف أو الجوع، لذلك عندما يأتي رمضان في الشتاء يكون قاسياً على الفقراء.
وخلال هذا الشهر يحتسي الناس كوباً من القهوة أو جرعة من الماء البارد عند الغروب ويجلسون لتناول الإفطار، ويوجد فاصل بين المغرب والعشاء، من ساعتين إلى ثلاث ساعات، وفاصل آخر بين العشاء والسحور، بحسب الفصل، ويجول الحراس في الشوارع يعلمون الناس عن انتهاء الليل بواسطة طبلات صغيرة، وتضاء الأسواق بعدد لا يُحصى من المصابيح، وتبقى المحلات مفتوحة حتى وقت متأخر من الليل، ولا تغلق المقاهي والحمامات طول الليل، وبالاختصار ينقلب الليل إلى نهار، ويتبادل السكان الزيارات، وينفقون أموالاَ أكثر خلال هذا الشهر، وتعاني النساء في هذا الشهر أكثر ممّا يعانيه الرجال، وذلك لأنهن لا يستطعن التجوَل مثلهم في الليل، وفي النهار قلما يسمح لهن بالخروج إلى الشارع.
يعقب رمضان عيد، ويكون في ثلاثة أيام متواصلة، ويعلن عن بدئه بواسطة مدافع القلعة فور رؤية القمر الجديد، وبعد أن يؤدي الشخص الذي شاهد القمر في المحكمة، وعادة ما يأتي من إحدى القرى، يحصل على مكافأة لقاء ذلك، وهي عبارة عن ثوب قماش.
تبقى معظم المحلات مغلقة أيام العيد، تتوقف الأعمال خلاله، وتنصب عند بوابات المدينة قلابات وخيول، وتقام دكاكين خشبية صغيرة تباع فيها الألعاب والفاكهة، ويقوم الراقصون على الحبال والمصارعون والحواة بعروضهم، يدهن المصارعون جسدهم بالزيت، ولا يرتدون سوى سراويل رقيقة، ويختالون في مشيتهم أمام الناس قبل بدء الاشتباك، ويصفقون، ويطلقون عبارات التهديد والوعيد، وسرعان ما يبدون أسفهم عندما تبدأ المباراة.
أما علية القوم فيلزمون بيوتهم لاستقبال الزوَار، وتقدَم لهم القهوة والشراب، ومن الألفاظ الشائعة، قولهم: كلَ عام وأنتم بخير، وعيد مبارك،، وهم يظهرون في أبهى حلَة حين يتزاورن وتزدان خيولهم بصورة فاخرة، وتتواصل الأفراح والمهرجانات، وتطلق الألعاب النارية لإيصال البهجة إلى قلوب كلَ الناس.
وعادات السكان في الحزن تختلف عن غيرهم، فإذا كانت وفاة الميت مبكرة يتمّ دفنه قبل دخول الليل، ويتمّ غسله بالماء الفاتر والصابون ثمَ ينثرون عليه الكافور ويلبسونه الكفن ويضعونه في التابوت، وقد يضرب أحد أفراد الأهل قنطرة الباب بإناء خزفي عندما يخرج منه النعش، زاعمين أنَ ذلك يمنع من أن يلحق بالميت غيره من أهل الدار.
وفي المقبرة يصطف أهل الميت ويمر عليهم الناس ويعزونهم، وفي مساء هذا اليوم يرسل أحد أصدقاء الميت أو اقاربه طعاماَ يأكله أهل الميت، ومن حضر، ويسمَى “حمول”.
يستعمل أهل حلب بعض التعابير اللغوية خاصة، كقولهم “أشلك فصطو” و”طس” بمعنى انظر، و”لقش” بمعنى “احكي” ولا يخفى على أحد أنَ اللهجة الحلبية متأثرة باللغة الآرامية ـ السريانية.
اهتمَ أهل حلب بالطعام والشراب منذ أقدم العصور، واشتهرت المدينة ببعض الأكلات، كما اشتهرت بصنع الكثير من الحلويات.