النفط والغاز ودورهما في مستقبل البرازيل
ريا خوري
اختارت البرازيل الانضمام مؤخراً إلى التكتل النفطي الأقوى في العالم: “أوبك بلس” وهو تحالف جاء بعد نحو ستة وخمسين عاماً من إنشاء منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك)، وشمل، إضافة إلى الأعضاء الثلاثة عشر الرئيسيين في المنظمة، عشرة بلدان أخرى بهدف خفض إنتاج النفط لتحسين أسعاره في الأسواق، وهذا ما جعل تحالف (أوبك بلس) مع منظمة (أوبك) ذا أثر كبير جداً في أسعار الطاقة عالمياً وتحديداً النفط، فتكون قرارات ومخرجات اجتماعاتهما محل متابعة دائمة وترقب، مع عدم الالتزام بنظام حصص الإنتاج في المرحلة الأولى. من هنا جاءت أهمية انضمام البرازيل إلى مجموعة الدول المنتجة للنفط التي تضمّ المملكة العربية السعودية وجمهورية روسيا الاتحادية بدءاً من شهر كانون الثاني 2024.
الجدير بالذكر أنَّ إنتاج البرازيل من النفط والغاز وصل إلى مستويات قياسية في شهر حزيران عند 4.48 ملايين برميل يومياً، وارتفع إنتاج النفط بنسبة وصلت إلى 18.6% على أساس سنوي وفقاً للجداول والبيانات الحكومية، ليصل إلى نحو 3.51 ملايين برميل يومياً.
لكن البرازيل استطاعت أن تتخذ قرارها بالانضمام إلى التكتل النفطي الأقوى في العالم. وبقدر ما تعدّ البرازيل قوة نفطية عالمية كبرى صاعدة، فإنها أيضاً من لوبيات المناخ الأساسية في العالم، حيث شهد العالم حالة من التنازع بين لوبي المناخ ولوبي النفط لفرض أجندة جديدة للتنمية الوطنية في البلاد. وبعودة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا إلى الرئاسة يأمل لوبي المناخ البرازيلي في عكس سياسة الرئيس السابق جايير بولسونارو المعادي لقضية المناخ على نحو سافر. لكن مهمّة دا سيلفا تبدو صعبة للغاية، حيث واجه منذ البداية انتقاداتٍ حادة من جانب البيئيين والمناخيين على ما عدّوه ضعفاً في التزام الحكومة القوي بالقضايا البيئية والمناخية، وعدم إظهار الحزم والصرامة الكافيين ضد البرلمان الذي أضعف عملياً صلاحيات وزيرة البيئة والتغيّر المناخي مارينا سيلفا من حزب العمال البرازيلي، وجرَّدها من الأدوات اللازمة لحماية موارد المياه، وإبطاء إزالة الغابات، ومنع الاستيلاء على الأراضي.
وتتوقّع (وود ماكنزي) أنّ العالم يمرّ بمرحلة انتقالية، لذا تضع رؤية تحليلية في قلب الأسواق المتغيّرة لتحقيق الرخاء للشركات، فكانت جملة التوقعات تسير وفق تعزيز شركات النفط الخاصة في البرازيل الإنتاج بنسبة تصل إلى نحو 75% بحلول عام 2030، كما تشير التقديرات الأولية إلى تحقيق شركة (بتروبراس) التي تديرها الدولة نموّاً أفضل في الإنتاج بنسبة تصل إلى 81% خلال الإطار الزمني نفسه. وفي الصراع بين لوبيات البيئة ولوبيات الهيدروكربون (النفط والفحم والغاز)، كانت لوبيات الهيدروكربون كثيراً ما تضع لوبيات البيئة في مرتبة أدنى من الاهتمام وتنفيذ السياسات. وسترتفع كفّة مصالح لوبيات الهيدروكربون على حساب مصالح لوبيات البيئة والمناخ في ضوء خطط توسّع القطاع النفطي البرازيلي بشكلٍ كبير. فقد ارتفع إنتاج البرازيل من النفط الخام في عام 2022 إلى ما يزيد على ثلاثة ملايين برميل يومياً معظمها تم استخراجه من حقول النفط البحرية العميقة، ويُتوقع أن يرتفع استخراج النفط إلى نحو 5.4 ملايين برميل في عام 2029م، ما سيجعل اقتصاد البرازيل أكثر ارتباطاً بالوقود الأحفوري الذي بدأ ينال اهتمام العالم اقتصادياً، ويزيد من نفوذ شركة النفط الوطنية البرازيلية (بتروبراس) التي لها دور كبير في إنعاش الوضع الاقتصادي ويساهم في تقرير السياسات الاقتصادية الوطنية البرازيلية، في ضوء بيع وكالة البترول الوطنية الشهيرة (ANP) حقوق التنقيب والحفر في ستمائة ومنطقتين من المناطق الاستكشافية التي يقع عدد كبير منها في مناطق محمية في غابات الأمازون، ما قد يؤثر في أراضي السكان الأصليين في المنطقة.
الجدير بالذكر أن الحديث يطول حول عمالقة المال ورجال الأعمال المختصين في مجال الطاقة مثل (جي بي مورغان تشيس)، و(أكسون موبيل)، و(بلاك روك)، و(BP)، فضلاً عن مصالح اللوبيات البرازيلية المتنوعة مثل بنك الاستثمار البرازيلي (BTG Pactual)، وشركة (بتروبراس)، التي استفادت كثيراً من فتح الأسواق على مصاريعها من بولسونارو.
إن ما تمر به البرازيل من تطوّر في المجال النفط والغاز الذي يعدّ طفرة خاصة تعيشها البرازيل، أدّى إلى تكثيف ضغوط العديد من لوبيات البيئة والمناخ على مصالح الصناعات النفطية، بما في ذلك تقدّم واحد وستين منظمة مجتمع مدني مهمّة بمقترح يقضي بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وتأثيراته، بما يشمل خفض عمليات التنقيب والاستكشاف وحرق الوقود الأحفوري بنسبة تصل إلى ثلاثة وأربعين بالمائة على الأقل بحلول عام 2030م، وستين بالمائة بحلول عام 2035م، مقارنة بمستويات الاستكشاف وحرق الوقود الأحفوري عام 2019. وهناك جهود محلية أخرى تتضمّن مباحثاتٍ ومناقشاتٍ لوضع بدائل أخرى حول القدرات والإمكانات الاقتصادية والاجتماعية والحراجية الزراعية والبيئية الزراعية الإيكولوجية، وقد تم تسليم الاقتراح إلى الرئيس البرازيلي وإلى وزارات البيئة وتغيّر المناخ والطاقة والمناجم والشؤون الخارجية. شركات النفط البرازيلية، مثل شركة (بتروبراس)، لم تشأ إبداء ما يدل على اعتراضها على هذا التوجه التحوّلي المهم في المجال الطاقوي الراديكالي، وإنما على العكس من ذلك أرسلت ما يؤكد استعدادها للتوافق مع المبادرة التي تم وصفها بأنها إيجابية، إذ أعربت شركة (بتروبراس) عن عزمها لأن تكون رائدة في مجال الوقود الحيوي والديزل المتجدّد، بما يمكن أن يسهم في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وغاز الكربون بنسبة سبعين بالمائة.
في شهر أيار العام الماضي 2023م، نشر البنك الدولي تقريراً خاصاً بالتنمية والمناخ في البرازيل، حث فيه حكومة البرازيل على تبنّي خطة زراعية مدروسة بشكلٍ جيد تقوم على زراعة ذات إنتاجية غذائية عالية الجودة على مساحة أقل من الأراضي، على أساس أن العقبات وحتى ما أطلق عليه (الصدمات) المناخية التي يتحدث عنها تقرير بنك الاستثمار البرازيلي (BTG Pactual)، ستدفع ما بين ثمانمائة ألف إلى ثلاثة ملايين برازيلي إلى الفقر المدقع بحلول عام 2030م، وإن البنك مستعدّ للعمل مع الحكومة البرازيلية وهو جاد في ذلك، كما يقول التقرير، لتحقيق مشاريعها وأهدافها الإنمائية بالتزامن مع العمل على مكافحة الاحترار المناخي وتغيّر المناخ.