تعزيز الدفاع عن الوطن عبر وسائل التواصل الاجتماعي
ذُكاء أسعد
ندرك جميعاً حجم الحملات الإعلامية التي تعرّضت لها سورية عبر القنوات الإعلامية التحريضية، التي حوّلت منابرها إلى أبواق تدفع باتجاه القتل وتدمير الدولة السورية. لم تكن هذه الحملة في بداية عام 2011 هي الأولى من نوعها، بل سبقها العديد من الحملات وكان أبرزها عام 2005، لكن في عام 2011 اتخذت أساليب وأدواتٍ مختلفة، حيث قامت ببث كمّ هائل من الشائعات ضد الحكومة والجيش والوطن، مع استغلال الكثير من ضعاف النفوس لبثّ السم عبر صفحاتهم الزرقاء، إلى جانب الفضائيات والصحف والإذاعة.
لم يقتصر ذلك على الإعلام العربي والأجنبي، إنما رافقه تأييد من الإعلام الإسرائيلي لإحباط عزيمة الشعب السوري عبر حرب إعلامية نفسية لتهييج الشارع السوري وإثارة الرأي العام العالمي والغربي.
لكن ورغم كل ما حدث من حرب إعلامية، وتأثيرها الذي أودى بحياة آلاف الشباب السوريين، والتدمير الهائل الذي طال ما فوق الأرض وتحتها من بنى تحتية، ومؤسسات عامة وخاصة، قامت الحكومة السورية بصدّ الهجمات النفسية الممنهجة بخطط استراتيجية، وبدعم من الحلفاء، حتى حوّلت الحرب النفسية من المرحلة الدفاعية إلى المرحلة الهجومية، حيث كان من أفضل ما تم تأريخه في هذه الحرب هو كتاب “دروس في الحروب النفسية في سورية” للإعلامي حسين مرتضى، أشار فيه إلى أن الحكومة السورية بدأت بالمرحلة الهجومية، حيث استطاعت الدولة السورية الانتصار نفسياً والنجاح في التعامل بكل ذكاء مع هجمات الحرب النفسية، حيث تحوّل كل مواطن سوري لإعلامي إذ تم إحباط عدد كبير من العمليات عن طريق وعي المواطن، ومسارعته للمشاركة في العمليات النفسية عبر تكذيب الدعاية المعادية ليتحوّل الشعب السوري بوعيه إلى مؤثر فاعل في صد هجمات الحرب عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وهكذا أنتجت الحرب صفحات وطنية ساندت الإعلام الوطني.
لقد كانت الحرب التي تعرّضت لها سورية حرباً فكرية بامتياز وعمودها الفقري هو الكلمة، واختراق العقيدة من الأعداء يجابهها عقيدة ثابتة راسخة في فكر كل إنسان وطني، والثبات على العقيدة الوطنية والدفاع عنها هو ركن من أركان الصمود، فالحرب على سورية لم تبدأ عام 2011، بل ظهرت فيه، ولكنها بدأت قبل ذلك بزمن بعيد عندما استخدم الأعداء المئات من منصات التواصل الاجتماعي وعشرات الفضائيات من خلال الهجوم على العقيدة الوطنية لاستبدالها بولاءات غير وطنية ضيقة، لذلك كانت الحرب حرباً فكرية بامتياز، وأحد أهم أدواتها الإعلام ومنها منصات التواصل الاجتماعي لإحداث التفرقة بين أبناء الوطن الواحد بهدف التفتيت و التجزيء وضرب المقاومة في الظهر.
إن التعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن الوحدة الوطنية، والتأييد والدعم والوقوف مع المقاومة هي تفاصيل وآلية من آليات المواجهة، وإن انعكاس الحالة الفكرية الوطنية المقاوِمة عبر منصات التواصل جزء من حالة الصمود، فأشكال المقاومة متعدّدة، جوهرها الفكر والثبات على العقيدة، وآلياتها هي الميدان بمختلف أشكاله، ومنها الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فالمنتصر في المعركة الفكرية هو المنتصر النهائي والحقيقي.
إن مصطلح ثقافة المقاومة يرتبط بالصراع ضد الاستعمار، إذ طوّرت الشعوب على مدار التاريخ ثقافتها الوطنية لتتحوّل إلى أداة فاعلة في مقاومة المحتلين لتعزيز الهوية الوطنية، والانتماء في مواجهة الهيمنة. ومن هنا، يجب على المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل تقديم الدعم التربوي والنفسي لتنمية شخصية الرواد من جميع الجوانب انتماءً وولاءً وتعزيزاً لمنظومة ثقافة المقاومة، ودعم المنصات مع تفعيل دورها في تشجيع فكر المقاومة، وفضح الكيان الصهيوني، وخلق قامات وشخصيات وطنية لتصبح أعلاماً للعمل المقاوم لإنتاج ثقافة المقاومة، ونشرها داخلياً وخارجياً لإزاحة الثقافات الوافدة من مواقع التأثير السالب لتكون ثقافة المقاومة جزءاً من ثقافتنا اليومية، لأنها تعبّر بشكل أو بآخر عن حالة وطنية نعيشها ونتعامل معها، ويجب ألا نختزل ثقافة المقاومة في معاني محدودة، وهنا يأتي دور المنصات الالكترونية في تربية أبنائنا على الحس العالي من المسؤولية، وفي تنمية روح الانتماء والمقاومة، وغرس محبة الوطن، فربما زيارة بعض المعالم الأثرية وعرضها، أو بانوراما حرب تشرين، والتعرّف على بعض رموزنا الثقافية والوطنية تصنع جيل المستقبل، وهم من سيحمل مشاعل النور إلى عالم أكثر ازدهاراً.
في الحقيقة، يمكن القول: إن ثقافة المقاومة والدفاع عن وطن مقاوم يتم تعزيزها عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وقد أثبت الشعب السوري بوعيه هذا الأمر عن طريق دحضه للشائعات، وإثباته أن الحرب لم تُثنِه عن دوره في المقاومة بدعم ومساندة الجيش والحكومة والقائد الرئيس بشار الأسد عندما قال: “الحرب الإعلامية والنفسية التي مارسوها خلال السنوات الماضية لم تتمكّن من التأثير علينا في مكافحة الإرهاب أو دفعنا باتجاه الخوف والتردّد”.