كلّه غزّة..
عبد الكريم النّاعم
غزّة الآن، بحراكها، وبمعطياتها، وبنتائجها، هي البؤرة المركز، أيّاً كانت النتائج، واستهدافها ليس جديداً في وطننا الكبير، بل هو قديم قِدم تسعير المشروع الأمريكي الصهيوني في بلادنا.
مع مطلع الألفيّة الثالثة تجلّى هذا المشروع في العراق، فكانت عاصفة الصحراء أيام بوش “الأب”، وأكمل بعده بوش “الابن”، وكان التدمير، والحصار، والتجويع فيه، واستُعملتْ فيه أسلحة لم يُكشف عنها بعد حتى الآن، وتُرك العراق يعاني الحصار، والحرمان، والمُصادرة، ومواجهة آثار عميقة، اجتماعيّاً، ونفسياً، وثقافيّاً، وكان الهدف إخراجه من ميدان المواجهة المستمرّة مع المشروع الصهيوني، بعد أن أُخرجتْ مصر عبر “كامب ديفيد”.
في عام 2006، حدثتِ المواجهة مع المقاومة الإسلاميّة في لبنان، ومَن ساندها، وكانت هزيمة مُذلّة لكيان العدو الإسرائيلي، ونقطة علاّم في القدرة على مواجهة الجيش الذي لا يُقهَر، بيد أنّ واشنطن فرضتْ حصاراً من نوع آخر على لبنان، فهو ممنوع من كثير من الإجراءات الوطنيّة، فلا انتخاب لرئيس الجمهوريّة، ولا اتّفاق حتى على ترحيل القُمامة التي ملأتِ الشوارع، فأيّ حصار أكبر من مصادرة الإرادة الوطنيّة، ولا يُغير هذه الحقيقة وجود جماعات مُلتحِقة بالإرادة الأمريكيّة، فذلك شاهد فاقع.
في عام 2011، أشعلوا حريق “داعش” في سوريّة، واستمرّت المواجهة عشر سنوات، وبانكسار المشروع الداعشي توحّش الطاغوت الأمريكي فبدأ حصاره الذي جعل سورية تنصرف، إلى حدّ كبير لتضميد جراحها، وهي جراح عميقة، ومتعدّدة، فما تكاد تُداوي جُرحاً حتى تلتهب جراح أخرى، وبذلك قيّدوا الكثير ممّا كان يُعوَّل عليه، فسوريّة هي عمود الخيمة، وهي بؤرة مركزيّة في المواجهة، وهي لا تستطيع الاستفادة من ثرواتها الباطنيّة من غاز وبترول، نتيجة الموقف الأمريكي، وإعادةُ إعمارها سيحتاج إلى سنوات طويلة، فأيّ حصار أشد تغوّلاً.. بحيث يصعب الحصول على الورَق للطباعة مثلاً؟!!
لنتذكّر في هذا السياق الانتفاضتين اللتين أذهلتا العالم في الأرض المحتلّة، واللتين حملتا بذور الوصول إلى ما نراه يوميّاً من مجريات الإبادة الجماعيّة لأهل غزّة، بدعم أمريكي غير محدود، وبتعطيل لفاعليّة مجلس الأمن.
مصر البلد الذي يُقال “لا حرب بدونه”!! محاصَر بقيود “كامب ديفيد”، ولا يريد منه الأمريكيّون والإسرائيليّون أكثر ممّا يفعل، فهو مُحاصَر الإرادة، ولا يبدو أنّ الفكاك من ذلك من الأمور الممكنة في المدى القريب.
المملكة السعوديّة ودول الخليج، مثلها مثل مصر، تكتفي بالحدود الدنيا من التصريحات التي لا تُغني ولا تُسمن، بل ثمّة مَن يتعامل بإيجابيّة مع العدوّ الصهيوني، فأيّ حصار بعد يُمكن الحديث عنه.
بقيّة البلدان العربيّة، إذا استثنينا الجزائر وتونس واليمن، مثلها مثل مَن ذكرنا.
ألا يعني هذا أنّ المساحات الكبرى في هذا الوطن في حالة حصار لا أخلاقي، ولا إنساني، ولا يبدو أنّ ثمّة دولاً، أو قوى، في العالم، قادرة على كسْره، أو المساعدة، على التخفيف من آثاره على الأقلّ، وليس أكثر من الاستنكار والانتقاد، وبذلك تبدو بعض الشوارع الغربيّة في أوروبا وأمريكا أكثر حضوراً وجدانيّاً وأخلاقيّاً؟!!
حكومة رام الله محاصرة باتفاقيات أوسلو التي أدار الإسرائيلي ظهره لها منذ أن وقّعها.
إنّ ما سبق يثير تساؤلاً كرّرنا طرحه، وهو: ما الخيار أمام ذلك؟!!
سنعود إلى المقولة الذهبيّة “إنّ كلفة المواجهة أقلّ بكثير من تكلفة الاستسلام”، وهذا يقتضي أنْ دعماً نوعيّاً للقوى التي تُقاتل في غزّة يجب أن يحصل، أو أن يستمرّ، وهذا يجعل مساحة المواجهة الفعليّة أوسع.
ليس ثمّة خيارات كثيرة، ثمّة خيار وحيد، وهو أن تظلّ هذه المعركة حتى تنكسر الإرادة الصهيونية الأمريكيّة، ولا خلاص إلاّ بذلك!!
aaalnaem@gmail.com