الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

المرأة والورد والألم والأعياد والأرض

غالية خوجة

سيظلّ الإنسان باحثاً عن إنسانيته ليرتقي بذاته ومجتمعه والعالم، والمرأة إنسان مؤنث، عليها واجباتها، ولها حقوقها، كأي إنسان على هذه الأرض، وذلك في المكونات الإنسانية الحضارية.

ومنذ الكلمة الأولى للكون، والورد ينبت مثل السنابل في الحقول والنفوس والجبال والحواس، والأرواح تسعى إلى طمأنينتها الأزلية، كذلك المرأة السورية المحبة للحياة والسلام، البانية للأجيال، المبتكرة الصابرة والصانعة للماضي والحاضر والمستقبل.

كأن شهر آذار مؤنث بمعنى ما، أو كأنه قصيدة الطبيعة للإنسان المؤنث، فهو الملحمة الجديدة التي تزهر فيها الأشجار والقلوب والنفوس على الرغم من الآلام المغروسة في كل منّا، وأيامه أعياد للمرأة والمعلم والأمّ والربيع والشعر، لذلك، تلفتنا أزهار اللوز ببياضها المتسائل: متى ينصف القانون المرأة، خصوصاً، قانون الأسرة الذي يجعلها في حالة الفراق القانوني أو الإلهي حزينة ومظلومة لأنها تستحق المزيد من رعاية حقوقها الإنسانية لا الأنثوية.

ومن لحظةٍ موضوعية واقعية أخرى، لا بدّ من مراعاة النساء المنتجات وأسرهنّ ومشاريعهن الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، من خلال اقتراحات مناسبة، منها إنشاء سوق لبيع منتوجاتهن من دون وسيط، وتشجيعهن على تحويل هذه المشروعات إلى “ماركات” في المستقبل، لأن هذه المشاريع الفردية أو العائلية، أصبحت من محاور البنية الاجتماعية والاقتصادية المحركة لعجلة الحياة مع البنى والمحاور الأخرى بسبب ظروفنا في وطننا، وهي ما يؤكد حيويتها السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد.

أمّا على صعيد الإنسان المؤنث الكفؤ في المناصب الإدارية والثقافية والإبداعية وغيرها، فإن المساحة تتسع لمزيد من هذا الحضور الفاعل والفعّال المتكافئ، ضمن معادلة التوازي والتوازن بين الجنسين، كي لا يظلّ حكراً على جنس فيزيقي دون آخر، والحكر هنا يعني النسبة الغالبة لحضور الإنسان غير المؤنث في هذه المناصب، وكم هو جميل مثلاً أن تكون لدينا مختاراتُ أحياء، علماً أن في حلب مختارة وحيدة، وعلماً أن حلب مدينة تؤنث المفردات والأكلات وتُذكّر ما دونها في بنيتها العائلية والاجتماعية والفكرية والإدارية.

ومن أصعب آلام المرأة، ومن أجمل عطاءات المرأة، أن تكون أمّاً للشهداء، وهذه الأمّ التي نفخر بها هي أمٌّ عقائدية مؤمنة بالله والوطن والقيم، وهي المرأة المثالية النموذجية القدوة للأجيال، وأزهارها لا تعرف الذبول ولا الزوال.

لكلّ إنسان مؤنث أحلام وآمال ومواهب، منها نساء كثيرات يتمنّين لو الظروف تساعدهنّ على إكمال تعليمهنّ، ومنهنّ من تدعو الله أن يلمّ شملها مع عائلتها وأبنائها، ومنهنّ من ترجو الله أن يفكّ المظالم والظلمات والحصارات النفسية والواقعية، وجميعهنّ يتمتّعن بثقةٍ مطلقة بأن القادم أجمل، وأن الفجر قاب شمسٍ أو أدنى.

هناك، سيمرّ آذار بين المقابر أيضاً، ويصير وروداً بهيئة نبضاتنا لنقول لأمهاتنا لولاكنّ لما حملنا الشعلة وواصلنا حكاياتها وأحداثها واستمراريتها وأضواءها المستدامة.

وهناك في فلسطين، يمرّ آذار على قلب الإنسان المؤنث متحولاً إلى ورود تطلع من بين الأنقاض والأشلاء والجذور وبقايا البيوت ورماد الذكريات وآلام قرنٍ مضى، فيتناغم “الحنّون” مع جذور الزيتون، وتمسك المرأة العجوز جذع الشجرة باكية وهي تحضنها، فتبكي الأغصان والأوراق والثمار والتربة على مرّ الشهور، وكل دمعة تصير حقول زيتون ومروجاً من “الحنّون”.

ولا يسعني إلاّ أن أهدي كل إنسان مؤنّث ومذكّر وروداً آذارية تفيض من كلمات مقالتي راجية الله أن تكون أعمالنا العطور الأزلية على مرّ الشهور.