بإعفاءات أو بدونها.. أسعار المواد الأولية تقصي المنتجات من السوق.. والرد الرسمي: “نعرف نعمل على معالجة الخلل”!
دمشق- ريم ربيع
صدرت في الأشهر والأعوام السابقة مراسيم وقوانين عدة لإعفاء المواد الأولية الداخلة في بعض الصناعات من الرسوم الجمركية، كواحدة من الإجراءات الهادفة لتخفيف الكلفة الإجمالية للمنتج النهائي، وتحفيز منافسته في السوق الداخلية أو الخارجية، ورغم ترحيب الصناعيين المعنيين في كلّ مرة بهذا التوجّه، وتأكيدهم بكل ثقة على انعكاس إلغاء أو تخفيض الرسوم على سعر المنتج، إلا أن توقعاتهم سرعان ما تخيب بعيد أسابيع قليلة من صدور المرسوم أو القانون، حيث تزيد أسعار المنتجات، بل وحتى أسعار المواد الأولية المعفاة أو شبه المعفاة من الرسوم! ليؤكد صناعيون أنهم يشترون المواد بأضعاف قيمتها الموجودة في دول الجوار، مما ينعكس بشكل طبيعي على سعر المنتج النهائي، فلماذا تفقد الإعفاءات قيمتها قبل أن تبدأ؟.
الصناعي محمد صباغ اعتبر أن الإعفاءات تتمّ من جهة، لتعوّض بتكاليف إضافية بمكان آخر، فهناك تكاليف تمويل، وإجازات استيراد، ورسوم إضافية غير محتسبة، فضلاً عن محروقات النقل التي ارتفعت من 3000 ليرة لليتر المازوت الواحد إلى 12 ألف ليرة، موضحاً أن المواد التي تمّ إعفاؤها تتعلق بقطاعات صغيرة، أما القطاعات الكبيرة كالصناعات النسيجية وهو أكبر القطاعات العاملة، فتم إعفاؤه من 50% من الرسوم عام 2017، وكان ذلك آخر إعفاء يناله.
وأضاف صباغ أن تمويل 99% من المواد الأولية عبر المنصة يزيد من التكاليف، ويزيد مدة دوران رأس المال للمستورد والصناعي مما ينعكس حكماً على الأسعار، كما يتطلب تأمين المواد 30-150 يوماً من تقديم إجازة الاستيراد، مؤكداً أن التاجر أو الصناعي أمام منافسة، ولاسيما في القطاعات التي تضمّ عدداً كبيراً من المنتجين كالألبسة، لكنها غير قادرة على كسر الأسعار بسبب التكاليف العالية.
وفي الجانب التصديري، لم يخفِ صباغ أن الصناعة الوطنية أصبحت ضعيفة جداً بالمنافسة، فرغم العودة إلى بعض الأسواق في الأعوام الأخيرة وفي مقدمتها العراق، إلا أن المنتج غير منافس، واللافت أن السوريين بمصر وغيرها هم من ينافسون بالمنتج، بسبب التكاليف العالية محلياً أولاً، وقلّة اليد العاملة والخبرات التي أثرت على المنتج الوطني ثانياً.
بدوره رئيس منطقة العرقوب الصناعية، الصناعي تيسير دركلت بيّن أن أول أسباب ارتفاع تكاليف المواد الأولية هو منصة التمويل، فالمواد الأولية بمعظمها غير مستثناة من تمويل المنصة، موضحاً أنه ليست كل المواد الأولية معفاة من الرسوم، فهناك مواد تبدأ رسومها بـ%1، وتنتهي بـ22%، كصاج الحديد مثلاً، مما ينعكس على سعر المنتج النهائي، إضافة إلى تكاليف الشحن والنقل التي أصبحت مرهقة للجميع، سواء الشحن من الخارج أو ضمن الداخل، كذلك ارتفاع أسعار حوامل الطاقة، فخلال أربعة أشهر تضاعف سعر الكهرباء، مؤكداً أن منطق الصناعة يقول: أعطني مواد أولية رخيصة أعطيك منتجاً رخيصاً.
وأكد دركلت أنه بالنسبة للصناعات الهندسية لا يوجد مواد معفاة من الرسوم، ويخاطب الصناعيون الجهات المعنية بوجود تشوهات جمركية، ليأتي الردّ ذاته منذ ستة أعوام: “نعرف الخلل ونعمل على معالجته”!، موضحاً أنه لم يعد هناك منافسة بالتصدير بسبب التكاليف، وخاصة بوجود جار منافس كتركيا، علماً أن المنافسين في تركيا ومصر والأردن هم غالباً السوريون! فيما تختلف نسبة ارتفاع التكاليف بالمواد الأولية عن دول الجوار بين مادة وأخرى لكنها وسطياً 10%، أما تكلفة الكهرباء تزيد 100%، فسعر الكيلو واط محلياً 16 سنتاً، وبمصر 3 سنتات، وبالأردن 11 سنتاً، وفي تركيا 8 سنتات.
وساخراً من تدهور وضع الصناعة، وعدم تقديم أي حل، قال دركلت: “في اجتماع الهيئة الأخير لغرفة الصناعة قبل أيام، قدّمت ورقة المطالب ذاتها التي أعددتها 2021، ولم أعدل سوى التاريخ” مؤكداً أن المشكلة الأساسية اليوم تتمثل برفع القدرة الشرائية والحفاظ على الأسعار.