الحوادث المرورية.. تجاهل لتعليمات وقوانين السلامة واستهتار يرفع عدد الإصابات!
دمشق – محرر المحليات
تثبت غالبية الحوادث المرورية التي تحصد حياة الكثير من المواطنين، على أتوتستراد المزة، وغيرها من الشوارع، مدى ضعف الثقافة المرورية، حيث يصرّ المواطن على مخالفة كلّ قواعد المرور الآمن والسلامة الطرقية من خلال محاولته قطع الأتوتستراد بالقفز فوق المنصفات الحديدية أو المرور بين أسلاكها بعد تمزيقها، وذلك بما يعرّضه للخطر، وهو ما يثبت غياب الثقافة المرورية داخل المجتمع وعدم التزام الناس بالأنظمة والقوانين، وخاصة لجهة علاقة المواطن مع الأنفاق والجسور التي تحمي حياته وتيسر انتقاله من شارع إلى آخر، والتي باتت شبه مقطوعة، إضافة إلى إهمال الجهات المعنية للأنفاق وجسور المشاة وعدم تجهيزها بشكل كامل، مما زاد من القطيعة بين المواطن وهذه الجسور والأنفاق المخصّصة للمشاة.
وطبعاً، هذا المثال غيض من فيض الحوادث المرورية، وما ينتج عنها من وفيات أو إصابات جسدية مختلفة وأضرار مادية، والتي تشهدها شوارع دمشق على مدار الساعة لأسباب متعدّدة، منها ما يتعلق بسوء وضع الطرق الفني وعدم التقيّد بالقوانين المرورية والالتزام بالإشارات التوضيحية، فرغم تعدّد الانتقادات التي تدين جسور وأنفاق دمشق وتحمّل واقعها مسؤولية القطيعة مع المواطن، إلا أن ذلك لم يغيّر أو يبدّل حقيقة ما يجري في شوارعنا من حوادث مأساوية تحصد أرواح الناس، كما حصل مع إيناس الصفدي الطالبة الجامعية التي لم تكن تعرف أن هناك حدثاً جللاً بانتظارها، وأن حياتها الجامعية أوشكت على الانتهاء بسقوط آخر ورقة من يوميات حياتها أثناء عبورها أوتوتستراد المزة بجانب كلية الآداب بعد مواجهة خاسرة مع إحدى السيارات العابرة التي قطفت أحلامها وآمال أهلها وغيّبتها عن الوجود لتشترك بمصيرها مع الآلاف من ضحايا الحوادث.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: على من تقع المسؤولية في ظلّ وجود العديد من الأنفاق والجسور إلى جانب الاوتوتستراد والطرقات السريعة، والتي تكثر فيها الحوادث المرورية، حيث يوجد في محافظة دمشق وحدها نحو 22 جسراً للمشاة و26 نفقاً، ونحو 25 نفقاً للسيارات ضمن مدينة دمشق ما بين المتحلق الشمالي والمدخل الجنوبي والمدخل الغربي والمدخل الشمالي، ولكن بعضها يُستخدم والبعض الآخر لا يُستخدم ويعود هذا الموضوع إلى غياب ثقافة الوعي والسلامة.
وخلال جولتنا على الأنفاق في مدينة دمشق، كان لنا وقفات مع واقع بعضها التي كانت لا تحتوي إضاءة وتعبق بالرائحة الكريهة بعد أن أصبحت مكباً للقمامة، ولذلك تصنّف ضمن الأنفاق المهجورة تماماً التي لا تُستخدم، وهذا ما أكده لنا محمد المحمد (مواطن) بقوله: إذا وقف الميكروباص بعيداً عن النفق ألجأ لقطع الطريق إلى الطرف الآخر لأن عامل الوقت مهمّ، خاصة وأن النفق غير مخصّص للعبور البشري فهو يفتقر لأبسط الخدمات، أما ديانا (موظفة) فقالت إنها لا تقدّم على المجازفة بعبور النفق لافتقاره للإضاءة وانعدام الحركة بداخله، عدا عن الروائح الكريهة التي لا تُحتمل. وبدوره معتز (عامل توصيل وجبات) كان له وجهة نظر غريبة فهو يقدم على قطع الأوتوتستراد دائماً، فمن واجب السيارات عند رؤيته يقطع الطريق أن تبطئ من سرعتها.
أما نفق الحميدية فهو يحوي أيضاً العديد من الخدمات الجيدة، فالمحال التجارية ملتزمة بالمكان المخصّص لها ولا تتعدى على الأملاك العامة، والنفق عريض يلائم الأعداد الكبيرة من المارة التي تعبر إلى سوق الحميدية، والأدراج الموجودة معقولة مقارنة مع غيرها من الأنفاق، بالإضافة للسلم المتحرك، ولكن غالباً ما ينقطع التيار الكهربائي عنه ما يؤدي للازدحام داخل النفق، وعدم إقبال الناس على استخدامه نتيجة قطع التيار الكهربائي بشكل متكرر.
والحالة ذاتها رأيناها في نفق باب شرقي المجهّز بالخدمات الجيدة التي تشجّع المارة للعبور من خلاله، وكذلك الحال بالنسبة لنفق عرنوس، أما بالنسبة لنفق البرامكة فإنه على الرغم من توفر محلات تجارية فيه إلا أن المارة لا يحبذون استخدامه لعدم توفر بعض الخدمات ونفق المشاة الموجود في منطقة نهر عيشة، يجري استخدامهما كدورة مياه، وتفوح منهما الروائح الكريهة ويعاني النفقان من نقص الخدمات.
الجمعية السورية للوقاية من حوادث الطرق قالت أكثر من مرة “إن المواطن لا يزال لا يتمتع بثقافة مرورية واضحة، حيث نلاحظ جهلاً واضحاً من جانبه بقطع الطرقات والاستهتار بمخاطرها ويحاولون ارتكاب المخالفات عن قصد أو من دون قصد كجمعية لا نقبل بهذه، وكذلك الأمر بالنسبة للحكومة ويجب التعاون مع وزارة التربية والنقل والداخلية لحماية المواطن وحماية نفسه بنفسه، فليس لدينا القدرة على حمايته بقدر ما هو قادر على حماية نفسه، وذلك عن طريق التقيد بقانون السير في سورية الذي لا يزال ضعيفاً جداً حتى الآن بسبب ضعف الثقافة بشكل عام، وخاصة ذوي الثقافة المتدنية، لذلك يجب تعاون المجتمع الأهلي مع باقي الوزارات لرفع سوية الوعي والثقافة المرورية لدى الناس”، ورغم قيام المحافظة بدراسات عديدة لوضع جسور أو أنفاق في أماكن النقاط السوداء التي تكثر بها الحوادث المرورية إلا أن بعضها غير مخدم ويفتقد لأبسط التجهيزات الخدمية.
المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق المواطن الذي يستخفّ بالتقيد بقانون السير وكل التدابير التي من شأنها أن تحافظ على حياته، إن بعض الحوادث التي يتعرّض لها المشاة تجري تحت جسر المشاة أو على بعد 100 متر منه، لذلك ينبغي على المواطنين استعمال جسر المشاة المخصّص لهم، لأنه لا يكفي المطالبة ببناء جسور بل يجب استعمال هذه الجسور تفادياً لوقوع الكثير من الإصابات والوفيات ويجب تخديم الأنفاق بخدمات تشجيعية، وخاصة المهجورة بإنارتها ووضع مصارف أو علبة هاتف مثلاً، بالإضافة إلى فصل كهرباء الأنفاق عن الشبكة العامة خوفاً من انقطاع التيار عنها، والعمل على وضع درج متحرك في الجسور العالية والأنفاق لعجز كبار السن والنساء الحوامل والأطفال عن عبوره وذلك بالاعتماد على الطاقة البديلة.
ولا شكّ في أن متابعة واقع هذه الأنفاق والجسور يحتاج إلى تعاون المجتمع الأهلي والجهات المعنية لتخفيض عدد الحوادث، فلا يكفي القيام بتنفيذ مشاريع طرقية ضخمة عالية المواصفات والجودة وجسور ومعابر، إنما يجب متابعة تشغيلها وصيانتها بإصلاح كل ما يطرأ عليها من عيوب وتخريب بسبب الاستعمال وعامل الزمن، وهذا يتطلّب التحرك الدائم بتأمين كل مستلزمات الصيانة وضمن أوقات مناسبة وبالاعتماد على جهات مختصة والتزام المواطن بقانون السير.