مناورات “المدافع الصامد” تنذر بحرب قادمة
ريا خوري
سعى حلف شمال الأطلسي (ناتو) وما زال يسعى إلى تحقيق قوّته وسطوته على العديد من دول العالم من خلال تزويده بأحدث الأسلحة الفتاكة، ليس هذا فحسب بل يقوم بالتحضير للقيام بأضخم مناورة عسكرية لم يشهد العالم لها مثيلاً منذ نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق، تلك المناورة تحمل اسم (المدافع الصامد 2024)، بمشاركة أكثر من تسعين ألف جندي من الدول الأعضاء في الحلف، في إشارةٍ واضحة إلى اعتبار تلك المناورة دليلًا على (وحدة دول الناتو) في مواجهة التحدّيات الأمنية والعسكرية الراهنة التي يمكن أن تحدث قريباً. فقد تم الإعلان عن المناورة التي تستمرّ حتى شهر أيار المقبل، وتمتدّ على الأراضي الأوروبية من النرويج إلى رومانيا بمشاركة الدول الواحدة والثلاثين الأعضاء، إضافة إلى مملكة السويد التي وافقت تركيا مؤخراً على انضمامها إلى الحلف.
لقد كشفت القوات المشاركة في المناورات العسكرية عن العديد من الخطط لمواجهة محتملة مع القوات الروسية، لذلك كان حجمها وتنوّع أسلحتها دفعها إلى أن تطلق على المناورة اسم (المُدافِع الصامد 2024)، لأن تلك المناورات تحاكي الحرب التي يمكن أن يصل عدد الجنود فيها إلى مئة ألف جندي بدل تسعين ألف جندي، فقد شاركت بريطانيا بعشرين ألف جندي وبولندا بخمسة عشر ألف جندي، وألمانيا بعشرة آلاف جندي، وهولندا بخمسة آلاف جندي، إضافةً إلى ثمانين طائرة مقاتلة متعددة المهام وخمسين سفينة حربية متطوّرة وأكثر من ألف ومائة عربة مدرعة متطورة. ومن المتوقع أن تشمل مناورات (المُدافِع الصامد 2024) تعبئة لسفن وأصول بحرية أخرى، إلى جانب أنواع جديدة من المركبات والطائرات بما في ذلك طائرات (إف-15)، و(إف-35)، وطائرات (هارير)، و(إف/إيه-18)، وطائرات هليكوبتر، وطائرات دون طيار.
إن تلك المناورات النوعية لقوات حلف شمال الأطلسي، دفعت كريستوفر كافولي القائد الأعلى للحلف في أوروبا إلى القول: إن الحلف يظهر قدرته العالية على الدفاع عن أراضيه من خلال العديد من السيناريوهات التي تحاكي الصراع الناشئ ضد خصم قريب من الأقران، في إشارة واضحة منه إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا، مضيفاً إن الحلف بصدد جعل خططه قابلة للتنفيذ، وهذا يعني التأكد من أن لدى الحلف التزامات القوة وترتيبات القيادة والسيطرة والتمكين الذي تتطلبه تلك الخطط.
من الواضح تماماً أنَّ حلف شمال الأطلسي قد بدأ يضع في حسبانه حرباً طويلة الأمد مع روسيا الاتحادية والصين، فقد جاءت تلك المناورات في خضم المعارك الضارية في أوكرانيا التي حقّق فيها الجيش الروسي انتصاراتٍ كبيرة، وفشل القوات الأوكرانية في تحقيق أي تقدّم يُذكر في معاركها مع القوات الروسية، وخسارة أوكرانيا المزيد من الأراضي التي استعادها الجيش الروسي، فقد سعى وما زال حلف الناتو إلى تهيئة نفسه لقبول الخسارة الكبيرة للأوكرانيين الذين يواجهون مأزقاً حقيقياً في الحصول على السلاح، وسقط هدف هزيمة الجيش الروسي القوي، ما يشكّل هزيمةً استراتيجية للحلف، الأمر الذي يستدعي وضع المزيد من الخطط العسكرية البديلة، من بينها إطالة أمد الحرب إلى أجلٍ غير مسمّى، كما ألمح إلى ذلك ينس ستولتنبرغ أمين عام الحلف الذي دعا إلى الاستعداد لحرب طويلة لا أحد يعرف متى تنتهي، لأنه إذا توقف الجيش الأوكراني عن القتال فسوف تختفي أوكرانيا من الوجود، لذلك فإنّ المناورات الحالية التي جاءت تحت عنوان: (المُدافِع الصامد 2024) تدخل في إطار الاستعداد لمواجهة محتملة مع روسيا الاتحادية في حال هزيمة أوكرانيا الواقعة لا محالة.
هذا الموقف ترافق مع إعلان لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي مؤخراً، أن هزيمة أوكرانيا التي يبدو أنها محققة تهدِّد بصدام عسكري مباشر بين الجيش الروسي وقوات حلف شمال الأطلسي، محاولاً الإشارة إلى عدم استبعاد مثل هذه المواجهة في المستقبل، بينما أشار الكرملين أكثر من مرّة إلى أن روسيا الاتحادية لا تشكّل تهديداً لأي دولة أوروبية، وأنها لا تنوي ضرب أي أهداف عسكرية أو مدنية على أراضي دول حلف شمال الأطلسي، إلّا أنَّها لن تتجاهل أي أعمال عسكرية أو أمنية قد تشكّل خطراً على أمنها القومي والاستراتيجي ومصالحها القومية، كما أعربت القيادة الروسية مراراً عن قلقها إزاء الحشود لقوات حلف شمال الأطلسي على حدودها، داعية الغرب إلى التخلي عن مسار عسكرة القارة الأوروبية كي لا تتحمّل عواقب صعبة غير قادرة على تلقّيها من الجيش الروسي القوي، في حين وصفت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية تصريح وزير الدفاع الأمريكي بـ(الجنون)، كما أنَّ ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين وصف التصريح بأنه (يزيد من تصعيد التوتر في المنطقة والعالم).
على الجانب الآخر ترى القيادة الروسية في عمليات مناورة (المُدافِع الصامد 2024) ما يثير الحذر والقلق، لأن تلك المناورات تجري على مساحة واسعة من الأراضي المجاورة لها، وبأعداد ضخمة من الجنود والأسلحة الجوية والبرية والبحرية، وتعدّها (تهديداً مباشراً ويتم اتخاذ كامل التدابير المناسبة لهذه العملية بصورة دائمة). الجدير بالذكر أنَّ روسيا الاتحادية وما تملك من قوة عسكرية فائقة تستبعد أن تكون تلك المناورات ذات طبيعة استفزازية فقط، وذلك لأنّ أي مواجهة بينها وبين القوات الأخرى ستجرّ أوروبا إلى حرب طاحنة لا تُحمَد عُقباها والأوروبيون يعرفون ذلك تماماً.