قطيف فارس: القصيدة العمودية عمل متكامل لكني أميل إلى النص النثري
طرطوس – هويدا محمد مصطفى
يقول الشاعر عبد الله البردوني: “الحداثة هي رؤية جديدة، من زاوية جديدة، من منظور جديد”.. هكذا قرأت الشاعرة قطيف فارس من خلال قصائدها النثرية وتجربتها الخاصة وهي تقف على دلالة النص ورموزه والقادرة على ابتكار المفردات التي تنتظم مع الاستعارات والتشبيهات البليغة من خلال التفاصيل المنبعثة من كوامن الشاعرة ومعمارية النص الشعري التي تتفاخر إشعاعاته فوق حقول اللغة.
لكل شاعر بدايته الخاصّة.. هل ما زالت أول قصيدة عالقة بذاكرتك؟
الشاعر قبل كل شيء إنسان امتلك إحساساً يزداد مع ضربات الحياة وجعاً أو حباً أو سعادة أو جرحاً أو حزناً، بمعنى آخر الشاعر إنسان والظروف تتحكم فيه إبداعاً حيث يسطره حروفاً.. ربما ولدت بدايتي مع الكتابة مع تفتح بصيرتي وتعلّم الحروف في المدرسة، كانت مادة التعبير بالنسبة إليّ مشكاة نور وضياء امتلأت حباً ففاضت خيالاً.. ربما المحاولات الأولى كانت تفرش الورد أمام الروح، وربما ساهمت دراستي التخصصية في الأدب العربي في جامعة تشرين وممارستي تدريس مادة اللغة العربية في ثانويات اللاذقية العربية في صقل هذه الموهبة التي تفجّرت عشقاً ومحبة، فكان الإحساس متفلتاً، لكن إطار اللغة زيّنه وصقله ليبدو لوحة ينثرها يراع عشق الحرف ومكنه تاجاً.
بدايتي لا أتذكرها إلا نفحات عاطفة تتوهج وفق معطيات الحالة، كم كتبت وكم نثرت وكم خططت وكم نزفت حروفاً بلون دم الروح، لا يمكنني الإجابة، لكن الكتابة مشت مع أناملي خطوة، خطوة.. ومع الأسف لن أتذكر أول قصيدة، لأنني مع كلّ فجر تولد متدفقة مع اليراع قصيدة لكنها تتكامل بمرور الأيام ليصبح بعضها فتاة جميلة العطر والبعض الآخر ربما يدفن لأنه أهمل وحزناً تأوه ورحل.
تكتبين قصيدة النثر بأسلوب وأداء مثير..
كنت وما أزال أعشق القصيدة العمودية، لكنني لم أمل إلى كتابتها إلا نادراً، وذلك لأسباب أهمها أنني أطلق العنان لحروفي لكي تحلق بفيض عواطفي، وتتلذذ بملوحة دموعي، وهذا يتمّ بكل الحب والراحة مع قصيدة النثر التي تفتح ذراعيها لاحتضان مشاعري الهائجة.
هل لهذه الأسباب كانت قصيدة النثر فقط؟
قصيدة النثر جمالها عندي بحدودها المفتوحة.. لا تعقيد ولا تقييد ما دمت تمتلك الحرف الجميل الممتلئ حباً وجمالاً وقدرة على التعبير وبكل الصدق تدخل مع حرف سليم لغوياً إلى القلوب.. في حروفي اعتمدت الصدق المولود من ظروف ساعدتني على صياغة نصوصي عاطفة وبكل الجمال والسلاسة وصوراً هي من خيال طالما حلم وتمنى.
متى تكتبين؟ وما القصيدة التي تجدين نفسك من خلالها؟
كم من معركة حدثت بيني وبين الكتابة، وكم من حالة بكيت فيها لأن الحروف عاندتني، وكم من الدفق هزّ كياني فجأة وانهمرت الحروف تستنجد يراعي.. لا أعرف متى أكتب لأن في روحي اضطراب مجبول بالحب للحياة ومجبول بالكره لظروف فرضت على روحي قيوداً معنوية أقرب إلى التضحية، لذلك كان الليل رفيقي ومؤنسي وكثيراً كان معذبي حتى كنت أخاف منه عندما تفيض مشاعري وتتدفق ولا يستطيع بسواده أن يلجمها…
من أنت أيها الشقي؟!
لماذا النقاء يموت؟!
لماذا الحب تقتله قصص الحياة؟!
دعوه تلك الجذوة الحمقى من النار
دعوه دمع قلب يتمرغ بكأس الحرمان
الحب عذاب.. شوق
لهفة انتظار
لن يكون الحب مائدة خمر واشتهاء
حلمنا بهمسة
تعلقنا بأغنية
وبلحن يراقص دموع قلب
وحنان يتدفق بلمسة يد!
هل تعدّين النص الشعري يفرض القصيدة وجوده بعيداً عن التصنيف؟
سبق وقلت القصيدة العمودية عمل فني متكامل متناغم الإبداع، كنت وما أزال من عشاقها الذين يصدحون نشوة أمامها إذا استكملت عناصر الجمال والإبداع، لكنني على الرغم من بعض المحاولات الخجولة في كتابة القصيدة العمودية وجدت أن النص النثري يفسح المجال أمام الحروف لتنوع الأوزان والتفعيلات ويفتح أمام الكاتب دروب الإبداع بلا قيود، من هنا كان النص النثري أقرب إليّ في التعبير، لأنني وجدت القافية والوزن في بعض النصوص دخيلة على النص فقط من أجل إتمامه والقارئ الذي يمتلك إحساساً جميلاً بالحرف يدرك ذلك بالفطرة قبل المعرفة بالبحور العروضية، وهو في الوقت ذاته يشعر بنشوة الجمال مع النص النثري إذا أبدع الشاعر في توظيف ذلك بمهارة اللغة والإحساس.
هل أنت مع تصنيف النص الشعري شكلاً؟
كقارئة ضد تصنيف جمال النص من حيث شكله، يبقى النص يمتلك الجمال والروعة والسلاسة والعذوبة والإقناع إذا توافرت فيه شروط النص الشعري من فكرة ومضمون راق إنسانياً واجتماعياً ووجدانياً ووزن يطرب ولغة راقية أنيقة تدخل القلب والإحساس بعد أن تكون قد أدخلت العقل قمة النشوة.
كأنثى.. هل تطرحين نصوصك الشعرية من خلال بعض قضايا المرأة؟
الحياة أنثى والقصيدة تكتب حباً لكل جمال على الأنثى هذا الكائن الذي يمثل الجمال بأبهى صورة تعرّض لكل أنواع وأشكال المشاعر في الحياة من حب وظلم وخيانة وتعذيب جسدي ونفسي، سواء في الحب أم الزواج أم الأمومة أم الميراث أم النظرة الاجتماعية التقليدية لها.. نعم كتبت الحب أشواقاً وذكريات ذممت الخيانة وترجمت مشاعر الأنثى الصادقة قولاً وفعلاً وتضحية.
لمن تقرأين؟ وهل ما يزال الكتاب يرافقك؟
سنوات أربعون وربما أكثر، كانت مسيرتي مع الكتاب، باختلاف المضامين والموضوعات.. قرأت كتب الأدب والشعر وكل ما تيسّر مما وقعت عليه عيني واستحوذ فكري ولا عجب فهو الاختصاص الذي سافرت معه معظم محطات دراستي ومهنتي، بالإضافة إلى كتب في النقد الأدبي وبطبعي أنا أميل إلى كتب التاريخ ولي ولع فيها.
بمن تأثرت بعد كل هذه القراءات؟
لا أتأثر بكاتب أو أديب أو شاعر بل أتأثر بكل كتاب أو إنتاج فكري محترم يخاطب القلب والعقل والفكر بكل احترام، وقد أعجب بأديب أو بشاعر في كتاب أو نص ما لكن ممكن ألا يعجبني له إنتاج آخر وهذا يرتبط بالإنتاج لا بالشخص.. ومن المؤسف أن منزلة الكتاب قد تضاءلت هذه الأيام لأسباب أهمها وجود الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
وماذا عن النّقد؟
النقد علم قائم بحد ذاته، وله مقومات لا يصحّ إلا بها، وإلّا يكون ناقصاً وغير مقنع في وظيفته، ولعلّ أهم مقومات النقد الموضوعي موضوعية الناقد وعدم تحيّزه والنظر إلى النص وتمحيصه وفق قانون النقد الحيادي البعيد عن المصلحة وعن تغليب العاطفة.. النقد بمقوماته يعتمد أسساً علمية ودراسة أكاديمية واسعة المجال والخبرة.. مع احترامنا للنقاد اليوم هناك ابتعاد عن الحقيقة والبحث العميق في دراسة البعض وسطحية واضحة مختزلة وعدم تعمق، لكن هذا لا يعني جفافاً أو تراخياً أو ضحالة. بالعكس هناك نقاد ترفع لهم القبعة احتراماً وعلماً ودراية.