“إسرائيل” وتجارب الروبوتات العسكرية في غزة
عناية ناصر
واحدة من أكثر الحقائق المروّعة حول هذا الواقع المرير الذي نعيش فيه، هو أن العمليات العسكرية الواسعة النطاق تستخدم بشكل روتيني كأرضية اختبار لآلات الحرب الجديدة، وذلك باستخدام الجثث البشرية كفئران تجارب فيما يرقى إلى مختبرات ميدانية عملاقة غارقة في الدماء، وكل ذلك لمصلحة الأهداف الاستراتيجية لمديري الإمبراطورية وهوامش ربح المجمع الصناعي العسكري.
نشرت صحيفة “هآرتس” مقالاً جديداً بعنوان “غزة تصبح ساحة اختبار إسرائيلية للروبوتات العسكرية”، يفيد بأنه “في محاولة لتجنّب إيذاء الجنود والكلاب، قامت قوات الكيان الصهيوني بتجربة استخدام الروبوتات والكلاب التي يتم التحكم بها عن بعد في حرب غزة”.
وأفاد كاتب المقال بأن الكلاب الآلية المثبتة على طائرات دون طيار والجرافات التي يتم التحكم بها عن بُعد هما من أهوال نهاية العالم الجديدة التي يتم اختبارها حالياً في المعركة في غزة، وأضاف قائلاً: “يؤكد مسؤولو القوات الإسرائيلية أن هناك قفزة في استخدام الروبوتات وتطوّرها في ساحة المعركة.
وتأتي هذه الأخبار في الوقت نفسه الذي يحذر فيه تقرير جديد صادر عن مجلة “Public Citizen”، وهي مجموعة أمريكية غير ربحية للدفاع عن حقوق المستهلك، ومركز أبحاث مقره واشنطن العاصمة، من الوصول الوشيك المحتمل لأنظمة الأسلحة المستقلة التي ستقتل الأشخاص بأقل قدر من التعليمات من الطيارين البشريين، وذكر التقرير أن “أخطر ما يثير القلق فيما يتعلق بالأسلحة المستقلة الذاتية التحكم هو أنّها تجرّد الأشخاص المستهدفين من إنسانيتهم، وتجيز التسامح مع عمليات القتل على نطاق واسع، بما في ذلك انتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان”.
كلما أصبحت الروبوتات طبيعية داخل جيوش العالم اقتربنا من هذه النقطة، ويتم بالفعل اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه. وكما أشار ثور بنسون، في موقع “كومن دريمز”، في مقال حول تقرير مجلة “Public Citizen”، “اشترت “إسرائيل” طائرات دون طيار قاتلة ذاتية القيادة ونشرتها في بعض الأحيان”.
وفي سياق متصل، ذكرت الصحفية كيتيلين جونستون في مقال لها في كانون الثاني حمل عنوان “غزة هي مختبر حيوي للمجمع الصناعي العسكري”، أنه “يتم جمع البيانات عن جميع الأسلحة الحديثة التي يتم اختبارها ميدانياً على أجساد البشر في غزة ليتم استخدامها لمصلحة آلة الحرب وصناعة الأسلحة”.
وما أثار هذا التعليق في ذلك الوقت هو التقارير وشهادات الشهود المباشرة حول الاستخدام المكثف لـ”طائرات القناصة دون طيار” التابعة للقوات الإسرائيلية في غزة منذ تشرين الأول، حيث تقوم القوات الإسرائيلية في كثير من الأحيان بإطلاق النار على الفلسطينيين بطائرات دون طيار رباعية مسلحة بالبنادق. ومن المؤكد أنه يتم تجميع سجلات كثيرة حول فعالية هذه الأسلحة والتكتيكات الأحدث في إنهاء حياة البشر، التي سيتم استخدامها بعد ذلك للمساعدة في تسويق تلك الأسلحة إلى دول أخرى وتحسين كفاءتها في القتل.
أجرى المؤلف والصحفي أنتوني لوينشتاين مقابلة مطوّلة في “تقرير غريس هيدجز” في كانون الأول الماضي حول تاريخ “إسرائيل” الطويل والموثق على نطاق واسع في استخدام غزة كساحة اختبار للأسلحة الجديدة، وبرامج التجسّس، وأنظمة المراقبة والأمن، والذكاء الاصطناعي، والطائرات دون طيار، والتكتيكات، التي أفادت عشرات الشركات ومكّنت “إسرائيل” من أن تصبح لاعباً كبيراً في صناعة الأسلحة العالمية.
قال هيدجز في المقدمة: “إن الطائرات “الإسرائيلية” دون طيار، وتكنولوجيا المراقبة بما في ذلك برامج التجسّس، وبرامج التعرّف على الوجه، والبنية التحتية لجمع القياسات الحيوية، إلى جانب الأسوار الذكية، والقنابل التجريبية، والمدافع الرشاشة التي يتم التحكم فيها بواسطة الذكاء الاصطناعي، كلها يتم تجربتها على السكان في غزة، وغالباً ما تكون النتائج مميتة، ويتم بعد ذلك اعتماد هذه الأسلحة والتقنيات على أنه “تم اختبارها في المعركة وبيعها في جميع أنحاء العالم”.
وهذا لا يحدث في غزة فقط، ففي أيلول الماضي، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” مقالاً بعنوان “الحرب في أوكرانيا هي أيضاً معرض أسلحة ضخم”، وفي عنوان فرعي “صانعو الأسلحة يتلقون طلبات بشأن الأسلحة التي يتم اختبارها في ساحة المعركة”.
في كانون الثاني من العام الماضي، نشرت شبكة “سي إن إن” تقريراً بعنوان “كيف أصبحت أوكرانيا ساحة اختبار للأسلحة الغربية والابتكارات في ساحة المعركة”، حيث قال أحد المصادر: إن أوكرانيا “مختبر أسلحة بكل معنى الكلمة لأن أيّاً من هذه المعدات لم تستخدم في أي وقت مضى في حرب بين دولتين متقدمتين صناعياً”.
وبالطبع نشهد هذه الظاهرة أيضاً في إفريقيا، ففي عام 2021، نشر موقع “أخبار مينت برس” تقريراً بقلم سكوت تيمكي بعنوان “غرب إفريقيا هي أحدث ساحة اختبار للذكاء الاصطناعي العسكري الأمريكي” حول هذا الاتجاه نفسه. وفي عام 2020، شهدت ليبيا ما يُعتقد أنه المرة الأولى التي يُقتل فيها إنسان على الإطلاق بسبب هجوم آلي بطائرة دون طيار، أي أنه يُقتل دون أن يطلب الإنسان من الآلة القيام بذلك.
إن الضعف الكبير للإمبراطورية هو أنها تعتمد على البشر العاديين لتنفيذ أوامرها وتحريك عجلة الآلة. ومن خلال النظر إلى الحقائق والتفكير فيها، ليس من الصعب أن نرى كيف يأمل مديرو الإمبراطورية التغلب على هذا الضعف في المستقبل.