بروين اعتصامي.. شاعرة إيران الخالدة
هي “رخشنده اعتصامي” ولكنها عرفت باسم “بروين اعتصامي” الذي اختارته لنفسها، وتعدّ من أشهر الشاعرات في إيران. ولدت في آذار 1907، في تبريز، وتعلمت اللغة الفارسية إلى جانب العربية في كنف عائلتها التي انتقلت إلى العاصمة طهران في طفولتها، فتعلمت هناك الإنكليزية في المدرسة الأمريكية للفتيات بتشجيع من والدها الذي كان مثقفاً ومحباً للعلم، وقد كانت ذات طبع هادئ يميل إلى الانقطاع عن الخلق طيلة حياتها، وكانت محبة للعلم والأدب والشعر منذ نعومة أظفارها، وهو ما شجعتها عليه عائلتها، إذ بدأت تنظم الشعر في الثامنة من عمرها، وكانت ترافق أباها إلى المحافل الأدبية، ما نمّى ذوقها الشعري، ونشرت أولى أشعارها في مجلة “بهار” التي كان أبوها شاغلاً فيها، ولاقت إقبالاً شعبياً كبيراً فضلاً عن تشجيع أهل الأدب في عصرها لها، إذ نالت تلك الأشعار استحسان أشهر شاعر في عصرها (ملك الشعراء بهار)، فكتب لها مقدمة لديوانها أشاد فيها بأسلوبها وذوقها، كما نالت أشعارها إعجاب كبار الأدباء في عصرها، من قبيل العلامة علي أكبر دهخدا، ومحمد قزويني، وسعيد نفيسي.
كان التأثر بالأدب الفارسي القديم بارزاً في الكثير من أشعارها، كما كانت من أوائل الشعراء المعاصرين الذين خاضوا فيما يعرف بالمناظرات الشعرية أو المجادلات الشعرية، ومن أهم مجادلاتها ما كان بين الورد والنبات، والإبرة والخيط، والبصل والثوم، والشمع والنار، وغيرها من المجادلات بين الإنسان والحيوان مما بدا فيه حس الفكاهة بما لا يخلو من اللطافة في نقل الصورة التي أرادت رسمها للمجتمع وما فيه من فساد آنذاك.
اشتهر شعرها ببساطة الأسلوب وجمال التعابير، وابتعدت عن التصنع اللفظي والمعنوي والتعقيد، وكان جل اهتمامها في موضوعاتها الخوض فيما ينتهي إلى الغاية التعليمية والموضوعات الأخلاقية والاجتماعية، إذ تطرقت في أشعارها إلى ما يهم المرأة وضرورة الاهتمام بها ودور تعليمها في ارتقاء المجتمع، كما برزت لديها موضوعات الاعتراض على الظواهر الاجتماعية السلبية كالظلم والفساد والفقر، والإشادة بالظواهر الحميدة كالصدق والزهد والقناعة والتواضع، وقد أظهرت أشعارها رفقها بالخلوقات جميعاً، كما كان لديها الكثير من أشعار النصح، وكانت السمة العامة لمضامينها الشعرية النضوج والرسوخ فيما عرضته من مضامين كانت نتاجاً لتأملها وأفكارها حول الإنسان والحياة.
من جانب آخر تُظهر أشعارها الاهتمام بالجانب الديني والاقتباسات من القرآن الكريم والحديث الشريف، فيُلاحظ في شعرها الميل الداخلي إلى التصوف وحب الله، فضلاً عن اهتمامها بالجوانب السياسية السائدة والاجتماعية الناقدة من خلال استخدامها للتمثيل والتصوير والتخيل والاستعارات والتلميحات والتضاد ونزوعها إلى الأساطير والأمثال الشعبية، وهو ما منح شعرها وأفكارها روحاً جديدة، كما كانت تشير صراحةً- في كثير من الأحيان- إلى ما ترمي إليه دون تمثيل أو تلميح، وقد برزت العناصر الموسيقية في شعرها أيضاً، مما أظهر طبعها وقريحتها وموهبتها.
تركت بروين اعتصامي ديواناً شعرياً واحداً تضمن ما يقارب ستة آلاف وخمسمئة بيت، وهو يتألف من قسمين؛ يشمل الأول 42 قصيدة، وهو ما يعادل ربع الديوان، وقد كان هذا الجزء غنياً بالحكم والعرفان، في حين ضمّ القسم الثاني ما نُظم في قالب المثنوي والقطع الشعرية، وجاء غنياً بالمناظرات والمجادلات بشكل تمثيلي.
توفيت بروين في ربيع عمرها، إذا كانت قد بلغت 34 عاماً حينما تغلب عليها المرض، ولكن على الرغم من رحيلها المبكر بقيت نجمة منيرة في سماء العلم والأدب الفارسي، لذا فإن الإيرانيين يحتفون بها سنوياً في مثل هذا اليوم تكريماً لها و تقديراً لما قدمته من إسهامات عميقة للشعر الفارسي المعاصر.
د. بثينة شموس